مثل الكثير من دول العالم، وقعت مصر في مُستنقع الجائحة في عام 2020. ومع ذلك، فإن قدرتها على إخراج نفسها من المُستنقع ستعتمد بشكل شبه كامل على حكومتها، وعلى الطريقة التي تختار بها مُعالجة مجموعة المُشكلات المُؤسسية التي كشفتها الجائحة.

تواجه مصر مُشكلات صعبة كثيرة على كلا الصعيدين، المحلي والدولي. قبل أن تبدأ آثار تداعيات الجائحة في الظهور في شهر مارس 2020، كانت المُؤشرات الاقتصادية لمصر تُظهر ثمار برنامج الإصلاح الصارم الذي يدعمه صندوق النقد الدولي، والذي ساعد في تحفيز النمو، تقليص الديون، تقليص التضخم، وتعزيز احتياطات النقد الأجنبي. وحقيقة أن هذا جاء بخسارة ضخمة تكبدها المواطن المصري العادي الذي اضطر للتعامل مع ارتفاع أسعار كافة السلع تقريبا، وارتفاع موازٍ في مُعدل الفقر، هذه المُشكلة تم تنحيتها جانبا لمُعالجتها لاحقا.

ولكن التداعيات الاقتصادية للجائحة أوضحت أن "لاحقا" كانت رفاهية لا يمتلكها أحد. فبغض النظر عن أن الفيروس قد عاث فسادا بين المرضى، كشف كوفيد-19 عن عيوب هيكلية خطيرة. أحد هذه العيوب هو استمرارية ضعف الاستثمار في الثروة البشرية، وبالأخص نظام الرعاية الطبية المُثقل بأعباء البلد. كانت مصر تعاني بالفعل من انخفاض عدد العاملين في مجال الرعاية الطبية، حيث غادر العديد منهم للحصول على وظائف في الخارج، ليجنوا منها عائدا أفضل. الجائحة لم تكشف عن العيوب التي لا تعد ولا تُحصى في النظام فحسب، فقد تم التعامل بقسوة مع مُمارسي الرعاية الطبية الذين انتقدوا طريقة تعامل الحكومة مع الأزمة. وإذا أُتيحت أي فرصة للحكومة لإصلاح مُشكلات القطاع الطبي، فإن عليها، بالإضافة إلى زيادة الإنفاق والإصلاح الهيكلي، تصحيح طريقة تعاملها مع مُقدمي الرعاية الطبية، أو المُخاطرة بحدوث ضرر لا يمكن إصلاحه.

على الصعيد الاقتصادي، أوضحت الجائحة أيضا أنه إذا كان لدى مصر أي فرصة للتنافس في سوق عالمية، تزداد قسوتها، فسيتعين على البلد اتخاذ بعض القرارات الصعبة. في حين يستحق البلد الثناء على إصلاحاته الاقتصادية الأخيرة، إلا أن تلك الإصلاحات هي بمثابة ضمادات بدلا من الجراحة. فقد اعتمدت مصر بشكل كبير على سياسات مالية ونقدية لتحفيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى أربع قطاعات: التحويلات المالية، والسياحة، وقناة السويس، والطاقة، وكلها قطاعات مُعرضة بشدة للصدمات الخارجية. وعندما تتعقد الأمور يمكن لتخفيض قيمة العملة أن يشتري للحكومة القليل من الوقت، لكن مُشكلات مصر المُزمنة لا تزال بحاجة للمُعالجة، مثل ارتفاع مُعدلات البطالة، خاصة بين الشباب، وارتفاع الواردات، وعجز الميزان التجاري، والاستثمار المُنخفض في رأس المال البشري، وتدني مستوى العدالة الاجتماعية. إن تغيير قوانين الأعمال التجارية يضعف من اهتمام المُستثمرين الأجانب، في حين لا يستطيع القطاع الخاص المحلى الاضطلاع بدوره الطبيعي في دفع عجلة النمو، بسبب تدخل الدولة. وإذا لم تبدأ مصر في عملية الإصلاح المُؤسسي، فستفقد أي ميزة تنافسية كانت قد اكتسبتها، ولن تُحقق خططها الطموحة في أن تكون مركزا إقليميا وبوابة لإفريقيا.

كما تواجه مصر تحديات كبيرة في السياسة الخارجية، أبرزها التهديد المُحتمل بفقدان المياه الذي يفرضه سد النهضة الإثيوبي الكبير، مع وجود مفاوضات دارت في حلقة مُفرغة طوال الجزء الأكبر لعقد من الزمن. سيتعين على مصر أيضا ترسيخ مكانتها الإقليمية وعلاقاتها. لقد أدى التنافس مع تركيا خلال العام الماضي إلى توتر في ليبيا، وفي مياه البحر الأبيض المتوسط، وأدى التنافس المحموم بين القاهرة وأنقرة إلى توغل تركيا أكثر في ليبيا الأمر الذي دفع مصر إلى إعلان خط أحمر في ليبيا يمتد بين مدينتي سرت والجفرة.

غير أن هذا العام يبدأ بنبرة أكثر هدوءا. لطالما كان لمصر موقف مُحافظ إلى حد ما بشأن السياسة الخارجية، وهو موقف مُستقل على الدوام – ويعتبر ذلك إنجازًا بالنظر إلى اعتمادها الاقتصادي على مُختلف الحلفاء الإقليميين. التقى وفد مصري مُؤخرًا بمسؤولي حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، بعد سنوات من دعم مصر والإمارات وروسيا وفرنسا للجيش الوطني الليبي (التابع لحفتر)، كما جرت مُناقشات هادئة مع تركيا. وأيضا تحاول مصر بث الحياة في المُحادثات الفلسطينية الإسرائيلية المُحتضرة. وبينما لعبت مصر تاريخيا دورا مُهما في تلك القضية، فإن الموجة الأخيرة من التطبيع العربي مع إسرائيل من المُرجح أن تجعل الموقف الفلسطيني أكثر هشاشة، وتقوض نفوذ مصر.

وبالطبع، هناك مجالات تتداخل فيها السياسة المحلية والدولية، وعلى رأسها القمع المُتزايد للمُجتمع المدني في مصر. فقد أدى اعتقال ثلاثة أعضاء في المُبادرة المصرية للحقوق الشخصية مُؤخرا إلى موجة احتجاج دولية غير مسبوقة، ومن ثم إطلاق سراحهم لاحقا. في حين أن مصر طالما قاومت بشراسة أي تدخل في شؤونها الداخلية، واكتفى السياسيون الدوليون بإصدار ضجيج غير فعال تجاهها، يبدو أن هناك تحولا كبيرا الآن. في ديسمبر الماضي، ربط الكونجرس الأمريكي صرف المُساعدات العسكرية لمصر بالإفراج عن السجناء السياسيين من دون منح وزارة الخارجية الأمريكية خيار التنازل عن الشروط لصالح الأمن القومي الأمريكي. وفي نفس الشهر أصدر البرلمان الأوروبي قرارا يحث الدول الأعضاء على إعادة النظر في العلاقات التي تربط مصر والاتحاد الأوروبي، وتنفيذ آليات أكثر صرامة للمُراقبة والمُساءلة.

يجب أن تلعب مصر دورا رائدا بدلا من الاستمرار في النظر إلى مثل هذه الإجراءات على أنها تدخل في شؤونها الداخلية، ينبغي لها أن تنظر إلى الاستثمار في حقوق الإنسان والحقوق المدنية على أنه استثمار في أمنها ونموها المُحتمل. يصادف هذا العام الذكرى السنوية العاشرة للربيع العربي، وإذا كان هناك درس واحد ينبغي تعلمه، فهو أن الحلول الأمنية للمُشكلات الهيكلية ليست سوى حلول مُؤقتة.

 

Read in English


The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.