أثارت التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول رفع محتمل لمستوى العلاقات مع مصر جولة صاخبة أخرى من التخمين حول التقارب المصري التركي المحتمل. الرئيس أردوغان أشار إلى أن التعاون "قد لا يكون على أعلى مستوى، ولكنها عند المستوى التالي له مباشرة. وبالطبع يحدونا الأمل في مواصلة هذه العملية مع مصر بقوة أكبر كثيرًا".

إذا كان ذلك صحيحًا، فسيكون هذا تطورًا مهمًا للغاية. فتركيا، العضو في حلف الناتو، قوة لا يستهان بها وقد مارست هذه القوة بثقة متزايدة في نفسها، بينما تظل مصر لاعبًا إقليميًا رئيسيًا. غير أنه كان هناك العديد من المبادرات المماثلة من الجانب التركي من قبل (على الرغم من ندرة ذلك من طرف الرئيس نفسه) وجميعها لم تسفر عن أي شيء. وقد قوبلت الجولة الأخيرة من التعليقات بتصريح مصري مهذب يفيد بأن العلاقات الرسمية بين مصر وتركيا قائمة بالفعل، وإن كانت على مستوى القائم بالأعمال، وأن أي رفع لمستوى التمثيل سيتطلب تقيدًا بالإطار القانوني والدبلوماسي واحترامًا لمبادئ السيادة الوطنية والأمن الإقليمي. تلك كانت طريقة منمقة للإشارة إلى اثنين من الأشواك الحادة التي تقف حاليًا في حلق العلاقة بين البلدين.

لقد ظلت العلاقات بين البلدين فاترة منذ عام 2013، عندما تم الإطاحة بالرئيس المصري السابق في انقلاب عسكري بعد مظاهرات حاشدة ضد حكمه (وبالتالي، ضد حكم الإخوان المسلمين). أدلى أردوغان علنًا مرة تلو الأخرى بتصريحات مهينة بشأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كما فر أعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى تركيا ليطلقوا وابلًا من الإساءات على الحكومة الجديدة من القنوات التليفزيونية التي تُبَث من تركيا. وبالنظر إلى إعلان مصر الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، تحولت العلاقات من فاترة إلى متجمدة. منذ ذلك الحين، خاصة خلال الأعوام القليلة الماضية، كانت ثمة مبادرات مهذبة متفرقة من الجانب التركي. أما الرد المصري، على حد تعبير أحد الدبلوماسيين، فكان هو انتظار "أن يُحوّل الأتراك أقوالهم إلى أفعال ويعالجوا أسباب التأزم بين الجانبين".

وبمعزل عما تعتبره القاهرة احتضان تركيا لمنظمة إرهابية، ثمة قضيتان رئيسيتان موضع للخلاف. الأولى هي تورط تركيا في ليبيا، وهي دولة ذات أهمية قصوى لمصر، حيث تتشارك معها نحو 1700 كم من الحدود المليئة بالثغرات. وقد وجدت المخابرات المصرية صلات بين متشددين مسلحين يقاتلهم الجيش المصري في شمال سيناء وبين إرهابيين في ليبيا. كان الكثير من دعم الحكومة المصرية للجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، جنبًا إلى جنب مع فرنسا وروسيا والإمارات، يستند إلى مخاوفها بشأن المليشيات الإسلامية المسلحة والخوف من التأثير الذي يعتقدون أن تلك الجماعات تمارسه على الرئيس السابق لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج. إن دخول تركيا إلى المعترك الليبي، بإرسال طائرات دون طيار ومرتزقة سوريين لدعم حكومة الوفاق الوطني، لم يربك فقط خطة الطرف الآخر وإنما عصف بها تمامًا. ما دفع مصر لإعلان مدينتي سرت والجفرة الليبيتين – وهما على التوالي موقع الهلال النفطي وقاعدة عسكرية – خطًا أحمر والتهديد بالتدخل العسكري، بطلب من القبائل الليبية، إذا ما تم تجاوزهما.

القضية الأخرى هي ترسيم الحدود البحرية. في حين أن هذا الأمر هو أساس الخلاف المستمر بين قبرص واليونان وتركيا، فقد تورطت مصر في النزاع عندما أعلنت تركيا اتفاقية بحرية جديدة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية اعتبرتها الدول الثلاث الأخرى انتهاكًا للقانون الدولي، وبالتالي فهي باطلة ولاغية. تلا ذلك أشهر من التوتر المتصاعد وحالة التأهب القصوى في شرق البحر المتوسط قبل أن تتلاشى تدريجيًا نحو هدوء يشوبه القلق.

أحد الاحتمالات فيما يتعلق بذوبان الجليد من جهة أنقرة هو أنها تفضل أن تكسب القاهرة إلى جانبها في هذا النزاع في شرق المتوسط. ولربما تشجعت عندما طرحت مصر جولة من العطاءات للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في فبراير الماضي والذي بدا أنها احترمت فيه مزاعم تركيا بشأن مياهها الإقليمية. لقد تجنبت مصر إلى حد كبير العداء الصريح مع تركيا في هذه المنطقة، مفضلة التمهل في إصدار حكمها. وفي حين تتمسك مصر باتفاقها مع اليونان وقبرص (على الرغم من العرض بمنحها تخوم بحرية أكبر من خلال صفقة ترسيم الحدود البحرية التركية) ولا تتردد في إبداء رأيها بشأن ما تعتبره توسعًا بحريًا عدوانيًا لتركيا، إلا أن مصر سعت دائمًا لاتباع سياسة خارجية محافظة ومستقلة، وبينما تعتبر العلاقة مع تركيا على وجه الخصوص مزعجة لكنها لا تزال تعاملها باحترام. غير أن قضية التنقيب في شرق المتوسط هي قضية معقدة من المتوقع أن تشهد تغييرات في التحالفات، تبعًا للأولويات المختلفة لكل دولة.

إذا ما أخذنا في الاعتبار العوامل المذكورة أعلاه، وحقيقة أن الحليف التقليدي لتركيا، قطر، يبدو أنها تلقى ترحيبًا بعودتها من قِبَل دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، من ثم، فإن تحسن العلاقات مع مصر هو الخيار الأفضل لتركيا. ومع ذلك، من غير المرجح حدوث تقارب، من الجانب المصري، ما لم يروا تقدمًا فيما يتعلق بالقضايا التي يعتبرونها إشكالية، لا سيما ليبيا وشرق البحر المتوسط.

 


The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.