Read in English

في مطلع شهر حزيران / يونيو الحالي، داهمت قوات سوريا الديمقراطية، الجناح العسكري للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، حي الموح في بلدة أبو حمام شرق محافظة ديرالزور، وقامت تلك القوات بتدمير وحرق عدد من المنازل، بحجة أن أصحابها مطلوبين للقضاء، بتهمة تهريبهم المشتقات النفطية إلى مناطق سيطرة النظام السوري، حادثة تدمير المنازل والتي يستذكرها أهالي المنطقة على أنها سلوك سنه تنظيم " داعش" إبان سيطرته على المنطقة، جاءت بدون أي ردود فعل من عشيرة الشعيطات المتضرر من هذه الحادثة.

هذه الحادثة سبقها بأيام اشتباكات مسلحة بين قوات "قسد" وأبناء عشيرة البكير المنتشرة في شرق وشمال ديرالزور، أدت لمقتل وجرح مسلحين من الطرفين، ثم انسحاب شبه كامل للنقاط العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية من المنطقة، بعدها عادت الأمور لشكلها الطبيعي ما قبل الحادثة بدون أي مصالحة أو حل للمشاكل المتسببة بحالة المواجهة، هذا يضعنا أمام تسأل مهم، لماذا باتت ردود الفعل للمجتمعات المحلية على الإدارة الذاتية وجناحها العسكري ردود محدودة أو منعدمة في كثير من الأحيان؟، رغم أن هذه المجتمعات خاضت معارك طاحنة ضد النظام و تنظيم "داعش" لذات هذه الأسباب.

أن أسباب محدودية ردود أفعال المجتمع المحلي على الإدارة الذاتية أو انعدامها يعود لأسباب عديدة، أول هذه الأسباب وأهمها، أن المجتمعات المحلية في المنطقة ترى في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية الخيار الأفضل للمنطقة في الوقت الحالي، إذا ما تم مقارنتها ببقية الخيارات المتاحة وهي النظام السوري وحليفتيه روسيا وإيران أو خيار تنظيم "داعش"، حيث تميل تلك المجتمعات إلى رفض هذين الخيارين، بسبب حالة العداء الحيوي معهما، خاصة أن تلك الجهات أجرمت بحق تلك المجتمعات قتلاُ واعتقال وتهجير، فمن باب المفاضلة الواقعية تعتبر الإدارة الذاتية الأقل ضرراّ والأكثر قبولاً على المستوى المحلي.

أما السبب الثاني، أن الإدارة الذاتية تتعامل مع المجتمعات المحلية على مبدأ الشراكة، حتى وان كانت تلك الشراكة محدودة في الكثير من الأحيان وفي أخرى تتفرد الإدارة بالقرار سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، إلا انها ذات أثر لدى المجتمع المحلي الذي يجعلها الأفضل معه في هذا الجانب من بقية الخيارات المتاحة، فكل من النظام والتنظيم لا يعطي لتلك المجتمعات صفة الشراكة سواء بشكل شكلي أو عملي، بل تقوم علاقتهم مع المجتمع المحلي على أساس هيمنة الطرف الأول على الطرف الثاني وجعله مجرد أداة تخدم مشروعه بدون أي حقوق، وفرض الهيمنة تجلى بشكل واضح في العلاقة التي فرضها تنظيم "داعش" على تلك المجتمعات خلال فترة سيطرته على المنطقة، ودفع ثمنها لاحقاً بالدور الذي بذله أبناء تلك المجتمعات في أنهاء مشروعه شرق سوريا.

ثالث الأسباب يتعلق بالحريات العامة، فالمناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية تتمتع بحريات عامة تفتقرها مناطق النظام، خاصة على المستوى السياسي وحرية التعبير، هذه الحريات وأن كانت محدودة في مناطق الأول إلا أنها لا تقارن بحالة التضيق التي يمارسها النظام في مناطقه، فعلى مدى سنوات سيطرة الإدارة الذاتية على المنطقة، لم تتوقف الاحتجاجات ضد سياساتها وتعبير المجتمعات المحلية عن رفضها لمشرعها والتأكيد على أن العلاقة قائمة على المصلحة المؤقتة مع الإدارة الذاتية ككيان، بالرغم من الردود العنيفة في بعض الحالات على المخالفين لسياسة الإدارة الذاتية وعدم تحقيق حالة شراكة سياسية فعلية مع المجتمعات المحلية، لا زال الأخير يرى في الإدارة الأفضل بين الخيارات المتاحة بما يتعلق في هذه الجزئية.  

رابع الأسباب، هو السبب الاقتصادي المعيشي، حيث تعتبر مناطق سيطرة الإدارة الذاتية أفضل على المستوى المعيشي من مناطق سيطرة النظام، فالأخير يعاني من مشاكل ارتفاع الأسعار وانهيار لليرة السورية، بحيث لا تتناسب كميات الدخل مع المصاريف المطلوبة لتلبية الاحتياجات الأساسية، وهذا يعود لانهيار المنظومة الاقتصادية نتيجة طول فترة الأزمة والعقوبات التي تفرض عليه، وتعود حالة التمايز الاقتصادي للإدارة الذاتية ليس لسياستها الاقتصادية الناجعة، بل نتيجة توافر الموارد الأساسية في مناطق سيطرتها خاصة القمح والمحاصيل الزراعية والمشتقات النفطية، إضافة لعمل المنظمات والجمعيات الداعمة للمشاريع خاصة الدولية منها، على عكس النظام الذي يعاني من شح هذه الموارد في مناطق نفوذه.

التفوق الخدمي يعتبر خامس الأسباب، حيث تعتبر الخدمات المتوافرة في مناطق الإدارة الذاتية، أفضل نوعاً ما من مناطق سيطرة بقية الأطراف، ومن هذه الخدمات على سبيل المثال الكهرباء، المدارس، الجمعيات الزراعية، مشاريع دعم السلم الأهلي، ويعود الفضل في توفر هذه الخدمات لعمل منظمات دولية ومحلية على دعم هذه الخدمات منذ خروج المنطقة من سلطة تنظيم "داعش".

آخر أسباب حالة تفضيل المجتمع المحلي للإدارة الذاتية على حساب بقية الخيارات، يكمن في عدم تدخل الإدارة الذاتية في العامل الديني للمجتمع المحلي أو فرض سياسات معينة بهذا الخصوص، وهذا يعود إلى أن مشروع الإدارة لا يقوم على أساس ديني، بعكس مشروع تنظيم "داعش" الذي وأن كان يحمل صفة المشروع الإسلامي السني إلا أنه لا يتطابق مع حالة التدين العام للمنطقة، بينما يعتبر التخوف الأكبر للمجتمعات المحلية هو النظام ومن خلفه الإيرانيين، بسبب مشروع إيران الديني "الشيعي" والذي تعمل على تقويته في سورية بشكل عام ومناطق شرق سورية بشكل خاص، كونها بوابة إيران من خلال العراق إلى بقية سورية و المتوسط ولبنان.

هذه الأسباب وغيرها، جعلت المجتمعات المحلية تميل إلى عدم ممارسة أي ردود فعل على الإدارة الذاتية وممارساتها، وأن حدثت تحاول تلك المجتمعات عدم المضي في ردود أفعالها لحدود المواجهة المصيرية مع الإدارة الذاتية، لعدم فتح باب الفوضى واعطاء فرصة للطرفين الأخيرين للعودة للمنطقة، خاصة أن خيار المجتمع المحلي لعودة فصائل الجيش الحر من أبناء المنطقة للعودة والسيطرة على المنطقة يحتاج لمعجزة إذا لم يكن مستحيلاً، الإدارة الذاتية تعرف جيداً أنها خيار المجتمع المحلي في مناطق سيطرتها شرق الفرات، لذلك تستغل هذا الأمر في ضمان وجودها الأمن في تلك المناطق، باستثناء المخاطر التي يشكلها تدخل النظام عبر خلاياه المنتشرة في مناطق سيطرتها، إضافة لخطر خلايا تنظيم "داعش".

العلاقة بين الإدارة الذاتية والمجتمع المحلي يمكن ان تستمر طويلاً، إذا ما استمرت عوامل بقائها القائمة على المصلحة المتبادلة، لكن المجتمع المحلي يحتفظ بتخوفات محقة بخصوص الإدارة الذاتية، هذه المخاوف تنحصر في تسليم المنطقة للنظام وحلفائه بموجب اتفاق منفرد أو نتيجة انسحاب مفاجئ منها كما حدث سابقاً في منبج ومناطق ريف الرقة الشمالي، وهذه المخاوف تزداد لدى تلك المجتمعات في كل حديث عن عملية عسكرية تركيا في شمال سوريا كما يجري الآن، وما يزيد هذه المخاوف استنجاد الإدارة الذاتية في كل مرة بالنظام السوري لدخول المنطقة ومساندة الإدارة في التصدي للجيش التركي وداعميه المحليين من فصائل الجيش الوطني.

 

Photo by DELIL SOULEIMAN/AFP via Getty Images


The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.