مع تعدد الزيارات الرئاسية، كان من الممكن أن تكون هذا الزيارة أفضل قليلاً. في 6 ديسمبر قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بزيارة رسمية إلى فرنسا بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. أبرزت الصحافة في كلا البلدين إلى حد كبير العلاقة القوية بين مصر وفرنسا، مستشهدة "بالقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، فضلاً عن إمكانية زيادة استثمارات الشركات الفرنسية في مصر والتبادل التجاري بين البلدين". بدون ذكر التعاون العسكري المتزايد ومبيعات الأسلحة وهي أمور ذات أهمية كبرى.
كانت فرنسا المورد الرئيسي للأسلحة لمصر بين عامي 2013 و2017، لكن تلك الصفقات، بما في ذلك تلك المتعلقة بالمزيد من مقاتلات الرافال والسفن الحربية، كانت على وشك الانتهاء.
من الواضح أن فرنسا ليست فقط حريصة على الحفاظ على تلك العلاقة، ولكن أيضًا على تقويتها، كما هو الوضع بالنسبة لمصر، التي تسعى إلى تنويع علاقاتها بينما تراقب الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة عن كثب.
الأمر أكبر من مجرد بيع الأسلحة. فمع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وما تتعرض له القيادة الألمانية المطلقة من تذبذب وارتباك نتيجة للخروج الوشيك لأنجيلا ميركل، فإن فرنسا تتشوق لتولي القيادة. كما أنها تكثف الاهتمام والنفوذ في شرق البحر المتوسط والساحل الإفريقي وترى مصر كشريك قيّم في هذه المناطق، حيث وصفت الصحيفة الفرنسية Le Dauphine العلاقة بأنها علاقة بين "الحلفاء الجيوسياسيين الذين لا غنى عنهم".
المشكلة هي أن الزيارة تأتي مباشرة في أعقاب احتجاج دولي كبير على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر. اندلعت هذه الاحتجاجات الأخيرة على إثر اعتقال ثلاثة من العاملين في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وقد رافق ذلك اهتمام دولي نشط بشكل غير عادي من قبل دبلوماسيين أجانب وجماعات حقوقية والعديد من المشاهير. تم الإفراج عن الموظفين بعد عدة أيام، ومع ذلك، وهو أمر مُحرج إلى حد ما لكلا البلدين، فقد أشارت جماعات حقوقية إلى وجود شخص آخر رهن الاعتقال حاليًا وهو متزوج من مواطنة فرنسية.
كان ماكرون قد عبر عن آراء حادة بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر قبل سنوات، ولكن الذين يأملون في تكرار نفس الأداء سيُصابون بخيبة أمل. فخلال مؤتمر صحفي مشترك مع السيسي، قال ماكرون إن فرنسا لن تربط مبيعات الأسلحة إلى مصر بقضايا حقوق الإنسان، ولكنه أثار موضوع حقوق الإنسان خلال مناقشاتهما وقال إنه لا يزال "مدافعًا دائمًا عن الانفتاح الديمقراطي والاجتماعي". وقد كان ذلك مؤشرا واضحا على أن المصلحة الوطنية لها الأسبقية على الضمير الوطني.
لا تتعامل مصر بشكل جيد مع الانتقادات الدولية بشأن المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، مُستندة على رفض المحاولات الدولية للتأثير على الشؤون المحلية وحقيقة أن قلة من الدول يمكنها الاحتفاظ بسجلات حقوقية نظيفة. ومع ذلك، فإن الاحتجاج الأخير لابد أنه قد فاجأ الإدارة المصرية. وبينما ستستمر العديد من الدول في وضع الاهتمامات الاقتصادية والأمنية كأولوية على الاهتمامات المدنية، ففي الأغلب في النهاية سيكون هناك ثمن يتعين دفعه. فالعلاقات الدولية والأمنية الجديدة تعمل على تغيير المشهد الإقليمي ومن مصلحة مصر جذب الحلفاء بدلاً من تنفيرهم. وبينما يتم تفسير القيود المفروضة على حقوق الإنسان في كثير من الأحيان من خلال المخاوف الأمنية، فإن الانتهاكات المدنية غالبًا ما تكون نتيجة غير متوقعة للاستقرار الوطني. وبالتالي فإعادة التفكير في الحقوق المدنية يجب أن يكون من أولويات الحكومة المصرية، لأسباب داخلية ودولية أيضا.
Photo by Julien Mattia/Anadolu Agency via Getty Images
The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.