حتى كتابة هذه السطور، ليس من الواضح ما هو النهج الذي ستتخذه روسيا في أوكرانيا: الضغط، أو التقسيم، أو البلع. يمكن للرئيس فلاديمير بوتين أن يواصل ويُصعّد من سياسة الضغط الشديد على أوكرانيا، دون غزو كبير، الأمر الذي يمكن أن يجعل أوكرانيا تخضع وتستسلم، ويفرض تغييرًا في سياسات كييف أو مساراتها، ويضمن هدف بوتين المتمثل في مواءمة أوكرانيا مع روسيا. أو يمكنه أن يواصل ما بدأه في دونباس وشبه جزيرة القرم وأن يستولى ببساطة على قطعة أخرى من أوكرانيا، مما يزيد الضغط على كل من كييف والغرب. الاحتمال الثالث الواضح هو غزو شامل لابتلاع البلد كله. أول سيناريوهين يمثلان استمرارًا للديناميكيات التي كانت سائدة قبل الأزمة الحالية؛ بينما السيناريو الثالث قد يمثل تغييرًا جذريًا وخطيرًا، ليس فقط على مستوى الصراع الروسي الأوكراني، ولكن في النظام الأوروبي والعالمي. يستعرض هذا التقرير انعكاسات هذا السيناريو الثالث على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

الطاقة: إن صراع واسع النطاق في أوكرانيا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار الطاقة العالمية. قد يفيد هذا مصدري الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكنه أيضًا سيجهد ميزانيات واقتصاديات مستوردي الطاقة في المنطقة. ستزيد الأزمة من نفوذ وأهمية منتجي الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - لا سيما في قطاع الغاز الطبيعي - حيث يتطلع الغرب إلى تقليل اعتماد أوروبا في مجال الطاقة على روسيا. لا يمكن لمنتجي الغاز توفير بديل سريع، حيث إن دولًا مثل قطر لديها بالفعل التزامات طويلة الأجل تجاه آسيا فيما يتعلق بصادرات الغاز المستقبلية، كما أن البنية التحتية للغاز المسال وخطوط الأنابيب ليست موجودة على نطاق من شأنه أن يوفر بديلاً على المدى القريب. لكن سيناريو قيام روسيا بقطع إمدادات الطاقة عن أجزاء من أوروبا سيجعل العديد من الدول الأوروبية تتطلع إلى الشرق الأوسط وأماكن مثل شرق البحر المتوسط ​​عن كثب من أجل أمن الطاقة.

الأمن الغذائي: يذهب نصف صادرات القمح الأوكراني إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما توفر روسيا الكثير من قمح المنطقة أيضًا. إذا تسببت الحرب في تعطيل هذه الإمدادات، فقد يؤثر ذلك بشدة على البلدان التي تعتمد على استيراد الغذاء مثل مصر واليمن وليبيا ولبنان وغيرها. ومع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، يمكن أن تؤدي الأزمة الأوكرانية إلى تجدد الاحتجاجات وعدم الاستقرار في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

الجغرافيا السياسية: استيلاء روسيا عسكريًا على جارتها يمكن أن يؤدي إلى إعادة نمط القرن التاسع عشر المتمثل في قيام الدول القوية ببساطة بابتلاع الدول الأضعف، دون نظام دولي فعال لمنع ذلك؛ والخوف الذي يتكرر ذكره هو أن الصين قد تفكر في الأمر نفسه بشأن تايوان. غير أن هذا الخطر يبدو مستبعدًا في الشرق الأوسط. آخر الأمثلة على ذلك كانت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والغزو العراقي للكويت عام 1990. إسرائيل بالطبع ضمت أجزاءً من سوريا استولت عليها بالقوة، وكانت حكومة نتنياهو تفكر في ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة قبل أن تقوم الاتفاقيات الإبراهيمية بـ"تعليق" هذا الإجراء. لكن ما سيستمر الشرق الأوسط في اختباره هو نوع من الحرب المختلطة - باستخدام الميليشيات والإنترنت والمعلومات المضللة وأسلحة صراع أخرى غير المواجهة العسكرية التقليدية - التي تستخدمها روسيا بالفعل في أوكرانيا وأماكن أخرى.

لقد تجنبت معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الانحياز علانية إلى جانب في الأزمة الروسية الأوكرانية، في ظل حرصها على تجنب إثارة غضب روسيا أو الغرب. إذا خرجت روسيا منتصرة من هذه الأزمة، فمن المحتمل جدًا أن تلقي بظلالها على المنطقة لفترة أطول. من المرجح أن تتصاعد طموحات بوتين بعد انتصار، وقد يوسع طموحاته لمحاولة استعادة قدر من التواجد الذي كان للاتحاد السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لديه موطئ قدم قوي في سوريا، ويمكن أن يساعد، جنبًا إلى جنب مع شريكه الإيراني، نظام الأسد في استعادة بقية البلاد. وقد يسعى أيضًا إلى توسيع النفوذ الروسي في العراق ولبنان المجاورين. يمكن توسيع وتعزيز الوجود الروسي في ليبيا ليصبح وجودًا دائمًا في جنوب البحر الأبيض المتوسط​، في مواجهة الجناح الجنوبي لأوروبا. يمكن أن يفكر بوتين أيضًا فيما إذا كان بإمكانه، من خلال النفوذ الإيراني في اليمن، استعادة وجوده على بوابة البحر الأحمر الاستراتيجي الذي تمتع به السوفييت خلال فترات الحرب الباردة. قد يكون السودان خيارًا آخر للبحر الأحمر أيضًا؛ يتضمن اتفاق ديسمبر/كانون الأول 2020 بين روسيا والسودان إقامة قاعدة بحرية روسية هناك.

بالنسبة للمستقبل القريب، تحبس منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل معظم العالم، أنفاسها لمعرفة السيناريو الذي سيختاره بوتين في محاولته لإخضاع أوكرانيا لنفوذه. ستتردد أصداء الحرب في أوكرانيا على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وستكون لها عواقب اجتماعية واقتصادية فورية، وستؤدي إلى تعديل أوراق اللعب الجيوسياسية العالمية بطرق لا يمكن التنبؤ بها.


The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.