عقب استقالة وزير المالية واستبداله بأحد الموالين للرئيس رجب طيب أردوغان في الثاني من ديسمبر/كانون الأول، واصلت الليرة التركية تراجعها المطرد أمام الدولار، لتصل خسائرها خلال العام إلى قرابة 50٪. من جديد تقع العملة التركية تحت وابل من المضاربات، على غرار الحلقات السابقة في يوليو/تموز 2018 وأكتوبر/تشرين الأول 2020. أدت التخفيضات المبكرة التي قام بها البنك المركزي التركي (CBRT) لسعر الفائدة منذ سبتمبر/أيلول إلى نزوح جماعي لرأس المال الأجنبي والاندفاع في الطلب على العملات الأجنبية بين المستثمرين المحليين. في غضون ذلك، لا تزال أسعار السلع والطاقة العالمية مرتفعة (على الرغم من الانخفاض الأخير في أسعار النفط)، وتدهورت التوقعات بشأن التضخم بشكل كبير، مما دفع سعر صرف الليرة للانخفاض من 8.30 إلى 13.60 للدولار في أقل من ثلاثة أشهر.

تغيير في السياسة وتخفيضات مبكرة لأسعار الفائدة

في سبتمبر/أيلول، أعلن البنك المركزي التركي فجأة ودون أي إعلان سابق، أنه سيتم تخفيض سعر الفائدة على أساس استهداف معدل التضخم الأساسي بدلاً من التضخم المعلن. كان هذا الإجراء غير متسق مع التفويض الرسمي للبنك وتم تفسيره على أنه حل وسط من جانب محافظ البنك المركزي التركي شهاب كافجي أوغلو لإنقاذ وظيفته، تحت ضغط الرئيس أردوغان. تماشيًا مع ذلك، خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس إلى 18.00٪. بعد اجتماع سبتمبر/أيلول، تم فصل ثلاثة أعضاء من لجنة السياسة النقدية (MPC) دون أي تفسير وتم تعيين عضوين جديدين تماشيًا مع نظرية أردوغان غير التقليدية حول أسعار الفائدة. دعا كمال قلجدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري، المسؤولين الحكوميين إلى عدم اتباع أوامر أردوغان التي تتعارض مع المصلحة العامة، ثم عقد اجتماعًا مع الحاكم كافجي أوغلو، الأمر الذي يعد غير مسبوق وغير متوقع.

في اجتماع أكتوبر/تشرين الأول للجنة السياسة النقدية، تم تخفيض سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس أخرى، وهو بالتأكيد أعلى من توقعات السوق، ولم تدعمه أي بيانات حديثة. ربما تم فرض هذه الخطوة من قبل أردوغان لإرسال رسالة إلى المسؤولين الحكوميين مفادها أنه مسؤول عن جميع القرارات السياسية ولا ينبغي لأي مسؤول حكومي الاستماع إلى مناشدة قلجدار أوغلو لمقاومة أوامره. قبل اجتماع نوفمبر/تشرين الثاني، أشار أردوغان إلى أن خفضًا جديدًا لسعر الفائدة كان وشيكًا، ثم تحقق هذا أيضًا على يد لجنة السياسة النقدية، التي خفضت سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس أخرى. كان هذا القرار الأخير هو الذي أدى إلى هجوم مضاربات على الليرة التركية. لم يكن هناك تطور في السياسة الخارجية هذه المرة، مثل سجن مواطن أمريكي في 2018، أو صدمة خارجية، مثل الجائحة في عام 2020. كان المستثمرون المحليون المحرك الرئيسي لأزمة العملة نظرًا لرغبتهم في بيع الليرة باعتبار أن معدل سعر الفائدة الذي وضعه البنك المركزي التركي بمقدار (15.00٪) هو منخفض كثيرًا دون معدل التضخم الرسمي (19.89٪).

على الرغم من الانخفاض الحاد في قيمة الليرة تركية، قال أردوغان في 17 نوفمبر/تشرين الأول إنه سيواصل معركته ضد أسعار الفائدة "حتى النهاية" وحاول موظفوه تقديم السياسة غير التقليدية على أنها استراتيجية جيدة التخطيط للاقتصاد. تم الوعد بالمزيد من تخفيضات أسعار الفائدة ومن المرجح أن يتم ذلك في اجتماع لجنة السياسة النقدية في منتصف ديسمبر/كانون الأول. نظرًا للانحدار السريع لليرة، تدخل البنك المركزي التركي في الأول من ديسمبر/كانون الأول لدعم العملة عن طريق بيع ما يقرب من 1 مليار دولار من احتياطياته الأجنبية. نتج عن ذلك انتعاش مؤقت، ولكن من غير المرجح أن يكون مستدامًا على المدى الطويل في ضوء احتياطيات الدولة المحدودة وأسعار الفائدة الحقيقية السلبية.

لا يزال من السابق لأوانه القول ما إذا كان انخفاض قيمة الليرة سيستمر، ولكن من المرجح حدوث المزيد من الاضطرابات في الأشهر المقبلة. إن إصرار أردوغان على المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة وفقدان ثقة المستهلك في سياساته الاقتصادية هما العاملان الرئيسيان وراء انخفاض قيمة العملة. ومع ذلك، فإن الليرة رخيصة جدًا بالفعل مقارنة بعملات الأسواق الناشئة الأخرى ومن المرجح أن تقترب موجة تدفق رأس المال إلى الخارج من نهايتها.

تأثير السياسات

تتمثل النتائج الإيجابية الرئيسية لهذه السياسة في تعزيز التجارة الخارجية من انخفاض تكاليف العمالة وانخفاض الطلب على السلع المستوردة الجاهزة. ينعكس ذلك في ميزان الحساب الجاري - الفرق بين السلع والخدمات المصدرة والمستوردة - حيث بدأت تركيا في تحقيق فائض في الحساب الجاري في أغسطس/آب، عندما كان سعر الصرف 8.40 للدولار، وكانت عائدات السياحة ضعيفة مقارنة بمستويات قبل الجائحة. من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه وينتج عنه فائض كبير في الحساب الجاري في عام 2022 حيث من المتوقع أن تصل عائدات السياحة إلى ما يقرب من 30 مليار دولار ما لم يتكرر تفاقم الجائحة مرة أخرى. وهذا من شأنه أن يجعل عمليات استرداد الديون الخارجية أسهل بكثير ويقلل من نقاط الضعف الخارجية لتركيا.

تتمثل الآثار السلبية الرئيسية لهذه السياسة في الخسارة الكبيرة في القوة الشرائية للأسر واستمرار تقلب أسعار الصرف. والسبب الأساسي لذلك هو زيادة التحول نحو استخدام الدولار في حسابات التوفير سواء للأفراد أو لأصحاب الأعمال. لقد فقدت الليرة بالفعل وظيفتها كمخزن للقيمة وإذا استمر هذا الاتجاه السلبي، فقد يتسبب أيضًا في خسارة وظائفها كوحدة للحساب والمقايضة أيضًا. إذا حدث ذلك، فإن دوامة التضخم المرتفعة ستبدأ بمستوى منخفض نسبيًا مقارنة بالتسعينيات ولكنها أعلى بكثير من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ستكون الزيادات في الأجور دائمًا أقل من التضخم، مما يؤدي إلى قفزة في معدل الفقر. ستكون النتائج الأكثر أهمية لهذه السياسة هي الاضطرابات الاجتماعية والشكاوى بين رجال الأعمال حول اضطرابات سلسلة التوريد بسبب عدم الاستقرار الداخلي.

يشعر المستثمرون الأجانب بالفعل بالحماية إلى حد كبير لأن محفظتهم الاستثمارية بالليرة صغيرة جدًا. وبينما تعرضهم لمخاطر ديون تركيا بالعملة الأجنبية مرتفع، لكن استعداد الحكومة لتسديد المدفوعات في الوقت المحدد وهدفها الخاص بفائض الحساب الجاري يخفف من هذه المخاطر. قد تقوم مؤسسات التصنيف الائتماني مرة أخرى بتخفيض تصنيفها للسندات السيادية التركية. بيد أن من غير المتوقع حدوث أزمة في ميزان المدفوعات أو أن تصبح تركيا غير قادرة على سداد مدفوعات الاستيراد أو تعجز عن دفع الديون الخارجية. إذ لا يزال بإمكان البنوك التركية الحصول على قروض مشتركة من المؤسسات المالية العالمية. ومع ذلك، فإن خفض تصنيف تركيا مؤخرًا إلى القائمة الرمادية من قبل مجموعة العمل المالي (FATF) لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب قد تسبب في أضرار كبيرة. علاوة على ذلك، هناك شائعات بأن MSCI، المزود الرائد للمؤشرات المالية للأسواق الناشئة، يمكن أن تخفض تصنيف تركيا من مجموعة متميزة من البلدان المتقدمة إلى قائمة الأسواق الحدودية أو سوق خاضعة للعزل مثل الأرجنتين.

التوقعات المستقبلية

لا يعرف الاقتصاديون إلى أي مدى يمكن أن يستمر تطبيق سياسة أردوغان غير التقليدية. الحقيقة هي أن أردوغان لا يزال مصممًا للغاية على خفض الأسعار، والسوق من جهته يتفاعل مع كلمات أردوغان بسرعة وقسوة. ينبغي أن تكون استقالة وزير المالية، لطفي إلفان، واستبداله بنور الدين النبطي، الخبير في الإدارة العامة بدلاً من الاقتصاد أو المالية والمؤيد بشدة لسعي الرئيس لخفض أسعار الفائدة، بمثابة تحذير مبكر بشأن التخفيف المفرط في السياسات الاقتصادية. في هذا السياق، لا يتألف السيناريو الأساسي من أزمة في ميزان المدفوعات وضوابط على رأس المال، ومن ثم لن يكون هناك على الأرجح تأثير الدومينو فيما يتعلق بالبلدان النامية الأخرى. لا يزال نمو الائتمان وعجز الميزانية عند مستويات معقولة. أي زيادة هائلة في الإنفاق العام والتمويل عن طريق طباعة النقود أو التوسع النقدي ستؤدي مباشرة إلى انخفاضات جديدة للعملة التركية وتفاقم التوقعات المتعلقة بالتضخم. قد يتم تنفيذ خطوات من أجل الإبقاء على معدلات التأييد لأردوغان، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور ورواتب موظفي الخدمة المدنية بشكل كبير. حيث لم توقف المؤسسات الحكومية مطالب أردوغان غير التقليدية حتى الآن. لا يزال تحالف حزب العدالة والتنمية الحاكم (AKP) مع حزب العمل القومي اليميني المتطرف (MHP) قويًا ولم يستقيل عدد كافٍ من نواب حزب العدالة والتنمية للسماح بإجراء انتخابات مبكرة. في الوقت الحالي، فإن الأسئلة الأكثر أهمية هي ما إذا كانت ستندلع احتجاجات في الشوارع بسبب زيادة الفقر وما إذا كانت الحكومة ستعلن حالة الطوارئ ردًا على هذه الاحتجاجات.

م. مراد كوبيلاي هو مستشار مالي مستقل في الاقتصاد التركي وباحث غير مقيم في برنامج تركيا بمعهد الشرق الأوسط. الآراء الوادرة في هذه المساهمة تعكس وجهة نظر الكاتب.


The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.