د. عبدالله فيصل آل ربح
ملخص:
يتبع المسلمون الشيعة نظامًا تراتبيًّا ينظم سلك رجال الدين، ويتربع على قمة هرم القيادة الدينية مجموعة من العلماء الكبار الذين يمثلون المرجعية الفقهية التي يتّبعها عامة الناس، لذلك يعرفُ الواحد منهم بـ مرجع التقليد، وينحصر حق إصدار الفتوى في الفقه الشيعي على هؤلاء المراجع.
منذ انتصار الثورة الإيرانية التي جاءت بالسيد روح الله الخميني إلى السلطة بوصفه مرشدًا أعلى للثورة، بدأ الاهتمام بموقع المرجعية يأخذ اهتمامًا واسعًا خارج الدائرة الشيعية خاصة فيما يتعلق بدور "آيات الله" في المشهد السياسي لمنطقة الشرق الأوسط.
بعد غزو العراق في ٢٠٠٣، تحولت الأنظار إلى السيد علي السيستاني في النجف بوصفه نقطة محورية ليس فقط على مستوى العراق، بل في عموم المنطقة. اليوم، يبلغ السيستاني ٩١ عامًا مما يجعل مسألة خلافته أمرًا يشغل المتابعين، ليس فقط على مستوى الساحة الشيعية، ولكن على مستوى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. وعليه، تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على مستقبل المرجعية الشيعية على أساس التغيير المرتقب القادم بعد السيستاني.
تم تقديم هذه الورقة البحثية في 10 يوليو/تموز 2021، ونشرت في 28 سبتمبر/أيلول 2021.
مقدمة:
يتبع المسلمون الشيعة نظامًا تراتبيًّا ينظم سلك رجال الدين، ويتربع على قمة هرم القيادة الدينية مجموعة من العلماء الكبار الذين يمثلون المرجعية الفقهية التي يتّبعها عامة الناس (لذلك يعرفُ الواحد منهم بـ مرجع التقليد). ينحصر حق إصدار الفتوى في الفقه الشيعي على مراجع التقليد؛ لذلك فإنه يُفترض من المرجع المعروف أن يصدر كتابًا يحوي آراءه الفقهية المتعلقة بالمسائل الشرعية التي يحتاجها مقلدوه، ويُعرف هذا الكتاب بـ "الرسالة العملية".[1]
منذ انتصار الثورة الإيرانية التي جاءت بالسيد روح الله الخميني إلى السلطة بوصفه مرشدًا أعلى للثورة، بدأ الاهتمام بموقع المرجعية يأخذ اهتمامًا واسعًا خارج الدائرة الشيعية خاصة فيما يتعلق بدور "آيات الله" في المشهد السياسي لمنطقة الشرق الأوسط. لقد أثّر الخميني على العديد من النشطاء السياسيين الإسلاميين في العالم، وبالخصوص الجماعات الشيعية المسلحة في لبنان والعراق الذين يعتبرونه المرجع الديني الذي يوكل إليه حق اتخاذ القرار وفق الشريعة الإسلامية.
بعد غزو العراق في ٢٠٠٣، تحولت الأنظار إلى السيد علي السيستاني في النجف بوصفه نقطة محورية ليس فقط على مستوى العراق، بل في عموم المنطقة. اليوم، يبلغ السيستاني ٩١ عامًا مما يجعل مسألة خلافته أمرًا يشغل المتابعين، ليس فقط على مستوى الساحة الشيعية، ولكن على مستوى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. وعليه، تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على مستقبل المرجعية الشيعية على أساس التغيير المرتقب القادم بعد السيستاني.
المرجع الديني الشيعي ومفهوم المرجعية:
يُعرف غالبية الشيعة بالـ"اثني عشرية" أو الإمامية وهم يتفقون مع عموم المسلمين في أغلب معتقداتهم مع احتفاظهم ببعض الاختلافات التي تمثل خصوصية مذهبهم. فهم يؤمنون بوجود خُلفاء (أئمة) للنبي محمد (ص) من أهل بيته وذريته. هؤلاء الأئمة هم علي بن أبي طالب و١١ إمامًا من ذريته وذرية زوجته فاطمة بنت النبي، لذلك عُرف أتباع المذهب بالاثني عشرية. يعتبر أتباع المذهب أئمتهم معصومين ومختارين من قبل الله لإرشاد المسلمين بعد وفاة نبيهم. ويعتقد الشيعة كذلك أن الإمام الأخير المهدي (ولد ٨٦٩م) قد احتجبَ بأمر إلهي وأنه المخلّص الذي سيظهر آخر الزمان مع السيد المسيح لتخليص العالم من الظلم والجور. وبحسب المعتقد الشيعي، فإن الغيبة الكبرى للإمام المهدي قد بدأت عام ٩٣٩م. وتشير المصادر الشيعية إلى أن الإمام الغائب قد ترك وصية لأتباعه يُحيلهم فيها إلى علماء الدين الفقهاء ليرشدوهم في أمور دينهم.
بناء على ذلك، يتعامل الشيعة الاثنا عشرية مع الفقهاء على أساس أنهم خلفاء الأئمة حتى ظهور المهدي المنتظر من غيبته. وعليه، فإن لفقهاء الشيعة دورًا محوريًا في المشهد الشيعي، على عكس المشهد السُنّي الذي لا يؤمن بعقيدة الإمامة. إذ يرى علماء السُنّة ضرورة استقرار الدول الإسلامية تحت إمرة حاكم قوي، بغض النظر عن مستوى تدينه الشخصي؛ وطالما لم ينكر الحاكم ضرورة من ضروريات الإسلام، فإنه يتوجب على جميع المسلمين -ومن ضمنهم الفقهاء- بذل السمع والطاعة له بوصفه إمامًا للمسلمين. إن هذا الموقف يضع فقهاء المسلمين السُنّة في موقع ثانوي فيما يتعلق بالسياسة والحكم، إذ يقتصر دورهم على تفسير الشريعة وإضفاء الشرعية على الحكومة.[2]
تخضع منظومة علماء الشيعة تسلسلًا هرميًا للقيادة الدينية وفقًا لتفاوت مستوى العلماء في الفقه. ويشكّل المجتهدون (الفقهاء الحاصلون على درجة الاجتهاد) النخبة الدينية القادرة على استنباط الأحكام وإصدار الفتاوى. وقد يرتقي المجتهد إلى رتبة مرجع التقليد، حيث يقلّده الناس من غير المجتهدين. لكن وللتوضيح، فإن طرح المجتهد لنفسه كمرجع، لا يضمن له بالضرورة الحصول على أتباع بشكل واسع، فثمة عنصران أكثر أهمية لبلوغ مقام المرجعية؛ هما الأعلمية الفقهية والشخصية المتميزة بالورع في أمور الدين والدنيا. مركز القيادة الشيعية اليوم هي النجف الأشرف، في العراق، وتليها قم، في إيران. في حين يهيمن المجتهدون الإيرانيون عدديًا على المدرستين، يوجد اليوم في العراق أكثر من عشرين مجتهدًا من المتصدّين للمرجعية بينهم خمسة أو ستة يشيع الاعتراف بمرجعيتهم بشكل واسع، وثمةَ ثلاثون مجتهدًا أو أكثر يتصدون للمرجعية في إيران بينهم خمسة أو ستة يتفوقون على الآخرين في شيوع مرجعيتهم وتعدد مقلديهم. ويتبع معظم الشيعة في العالم مراجع مقيمين في هذين البلدين (العراق وإيران) ويلتمسون منهم الإرشاد الروحي والفقهي ويدفعون لهم، أو لوكلائهم، الخُمس وبقية الالتزامات المالية (الحقوق الشرعية).[3]
الخلفية التاريخية لتطور المرجعية العابرة للحدود:
منذ غيبة الإمام المهدي، واظب الشيعة على اتباع الفقهاء الموجودين في مجتمعاتهم. ولفترة طويلة، لم تكن فكرة المرجعية المركزية مطروحة على الساحة الشيعية، إذ لم يكن في الحسبان أن يتبع عموم الشيعة مرجعية عابرة للحدود تشكل نقطة ارتكاز للقيادة الروحية والفقهية. لا يُعلم متى على وجه التحديد، أصبحت "الأعلمية" شرطًا لتقليد المرجع الذي يحمل لقب آية الله العظمى. لقد أدى الالتزام بشرط الأعلمية إلى هيمنة مجموعة صغيرة من المراجع على عموم المشهد الشيعي. وقد أدت هذه الهيمنة إلى نشوء نظام مالي فريد، حيث يلتزم المؤمنون الشيعة بدفع الضريبة الدينية (الخُمس) إلى مراجعهم أو ممثلي المراجع المحليين. وعليه، فإن تدفق المال من الخارج يمكّن المرجع من جذب طلبة العلوم الدينية إلى دائرته؛ هؤلاء الطلبة بدورهم يقومون بالعمل كوكلاء للمرجع عند عودتهم لمجتمعاتهم. هذه القوة المالية تؤدي إلى السلطة الاجتماعية، والتي بدورها قد تؤدي إلى سلطة سياسية. يمكن الجزم بأنه بدون عنصر "الأعلمية" سيكون من الصعب على علماء الشيعة أن يبلغوا مستوى التأثير الذي يحظون به الآن.
لقدد عّززت الاحداث الراهنة في إيران والعراق مكانة المرجع الأعلى كسلطة دينية، مما منحه دورًا يتجاوز دور البابا الكاثوليكي. كانت ثورة التنباك عام ١٨٩١ مثالًا مبكرًا على تأثير الفتوى العابرة للحدود، حيث أجبر المرجع القاطن في العراق آية الله السيد محمد حسن الشيرازي (١٨١٥-١٨٩٥) الشاه القاجاري على إلغاء امتياز التبغ الممنوح للبريطانيين. يُضاف لذلك أن كلًا من الثورة الدستورية الإيرانية (١٩٠٥-١٩١١) والثورة العراقية ١٩٢٠ كانتا بقيادة المرجعيات العليا. هذه الأحداث تدفعنا للقول بأن بداية القرن العشرين كانت نقطة انطلاق للدور السياسي للمرجعية العابرة للحدود.
العامل الآخر في زيادة هيمنة المرجعية العابرة للحدود يكمن في تزايد أعداد خريجي الحوزة العلمية في النجف والذين عادوا لمجتمعاتهم في النصف الأول من القرن العشرين، والذين كان من ضمنهم كوكبة من العلماء البارزين الذين عملوا على الدعوة لتقليد المرجع الأعلم (الذي غالبا ما يكون مقيمًا في النجف أو قُم). وعليه، فإنه ثمة ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في تقوية المرجعيات العابرة للحدود:
١- مفهوم الأعلمية تقليد المرجع الأعلم.
٢- الموجة الجديدة من خريجي النجف
٣- الدور السياسي العابر للحدود لمرجعيات إيران والعراق
بالنسبة للأعلمية، فإنه يصعب على عامة الشيعة تحديد المرجع الأعلم من بين بقية المراجع. فالواقع يقول بأنه بعد حصول الفقيه على درجة الاجتهاد، لا توجد معايير "مكتوبة" ومحددة لتوضح تسلسلًا هرميًا للمجتهدين. في هذه الحالة، يرجع عامة الشيعة إلى أهل الخبرة، وهم العلماء الذين يستطيعون تحديد مجتهد معين بوصفه الأعلم من البقية. غالبًا ما يكون هؤلاء العلماء من خريجي حوزة المجتهد الذين يدعون إلى تقليده، أو خريجي مدرسة أحد المجتهدين المقرّبين منه. "ومع ذلك، فإن عملية طرح المرجعية معقّدة للغاية، إذ إنها - في كثير من الحالات - تتجاوز مسألة المستوى العلمي إلى الأمور المالية والنفوذ الاجتماعي."[4]
إن موقع المرجع يجمع بين الفردية والمؤسساتية. فالناس يتبعون المرجع بصفته الفردية، لكن وكلاء المرجع (طاقمه الإداري في مكتبه أو ممثليه في مجتمعاتهم المحلية) يتبعون تسلسلًا هرميًا بناءً على مواقعهم داخل الدائرة المحيطة بالمرجع. يمكن النظر للعلاقة بين المراجع والوكلاء بأنها علاقة تكافلية، ففي حين يثبت المرجع أعلميته في الحوزة، ينشغل الوكلاء بالترويج لمرجعيته ويقنعون الناس في مجتمعاتهم بتقليده. يستمد رجال الدين المحليون الذين يتمتعون بشعبية في مجتمعاتهم شرعيتهم من كونهم ممثلين لنواب الإمام الغائب (الذي، وفقًا للاعتقاد الشيعي، بدأ غيبته الصغرى عام ٨٧٤م وسيعود في نهاية هذا العالم ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا)، بينما يستمد المرجع شرعيته الاجتماعية في مختلف مناطق الشيعة من تزكيته من قِبَلِ العلماء المحليين (الوكلاء) الذين يروجون لمرجعيته. نظريًا، المرجع أعلى من الوكلاء الذين يمثلونه. لكن على مستوى الممارسة العملية، فإن الناس يتبعون المرجع بناءً على تزكية الوكلاء. وهذا يعني أن "المفتاح الأهم في ذلك للمجتهد الذي يطمح إلى المرجعية من أجل الحصول على مقلدين كُثُر، هو استقطاب الوكلاء الأكفاء القادرين على دعم مرجعيته والترويج لها مقابل المراجع الآخرين."[5]
من الصعب تحديد هوية أول مرجعية مهيمنة وعابرة للحدود. في القران التاسع عشر، كان الشيخ الأنصاري (١٨٠٠-١٨٦٤) المرجع الأكثر بروزًا، إذ يُعتبر كتابه "المكاسب المحرمة" أحد أبرز الكتب المعتمدة في الحوزات الشيعية والتي يدرسها الطلبة المتقدمون، كما إن كثيرًا من المراجع وأساتذة الحوزة قد نشروا تعليقاتهم على "المكاسب" في كتب متعددة المجلدات. نستطيع القول إنه منذ ذلك الحين أصبح للشيعة مرجع أعلى يتبعه غالبية أبناء الطائفة على مستوى العالم. الجدول رقم ١ يحوي قائمة بالمراجع الذين شغلوا موقع المرجع الأعلى للشيعة:[6]
باستثناء السيد محسن الحكيم، تتضح هيمنة الفقهاء الإيرانيين الذي تعلموا في النجف على موقع المرجعية العليا. تجدر الإشارة إلى أنه عندما أصبح العراقي السيد الحكيم المرجع الأعلى في حوزة النجف، كان موقع المرجعية العليا للطائفة قد انتقل لقُم بزعامة الإيراني الشيخ البروجردي، قبل أن يعود الموقع للنجف تحت مرجعية الحكيم. تخللت هذه السلسة من المرجعيات العليا بعض فترات التي توزعت فيها المرجعية العليا بين عدد من الفقهاء، غير أنها سرعان ما تنتهي بوفاة منافسي المرجع الأعلى الذي تصفو له الساحة.
الصورة أعلاه: محمد رضا، نجل المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله العظمى علي السيستاني، يحضر جنازة المقاتلين الشيعة الذين قُتِلوا في هجوم لاستعادة الموصل، في مدينة النجف العراقية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2016. تصوير حيدر حمداني/ AFP via Getty Images.
العلاقة بين النجف وطهران:
خلال العهدين القاجاري (١٧٨٩-١٩٢٥) والبهلوي (١٩٢٥-١٩٧٩)، دأب ملوك إيران على إبداء الاحترام لمرجعية النجف إلى حد إعلان الرجوع في التقليد الفقهي للمرجع الأعلى في النجف. وقد شكّل تقليد الشاه لمرجع النجف مخرجًا يسيرًا لصاحب السلطة السياسية والعسكرية في إيران من حرج مواجهة أصحاب السلطة الدينية في بلاده. فالمرجع يملك سلطة فقهية على مقلديه بإلزامهم باتباع فتاواه، أمّا من يقلدون غيره، فليسوا ملزمين بالالتفات لمثل هذه الفتاوى. بالمقابل، فإن المرجع الأعلى في النجف يعيش في دولة تحكمها نخبة سُنّية في بغداد. وبما أن مرجع النجف لا يوفر غطاءً شرعيًا لبغداد، فلا يوجد ما يدفع حكامها السُنّة إلى خطب ود المرجع الشيعي الذي لا توجد لديه مصلحة معهم خصوصًا في ظل استقلاله المادي عن طريق الحقوق الشرعية.
شكّل تقليد شاهات إيران للمرجع الأعلى في النجف نقطة دعم لهم أمام مراجع قُم، كون رأس الهرم السياسي يفضّل مرجعًا خارجيًا عليهم، وبالتالي فإن المرجع الأعلى في النجف يستطيع الاحتفاظ بثقل روحي ديني مدعوم سياسيًا داخل الأراضي الإيرانية. بالمقابل، فإن المرجع الأعلى قد حصل على تأييد سياسي عند السلطات غير الشيعية؛ كونه المرجع الفقهي الذي يقلّده شاه إيران الملك القوي.[7]
لم تكن ثورة ١٩٧٩ مجرد تغيير لنظام الحكم داخل إيران، فقد تأثرت العلاقات الخارجية بشكل كبير، بالذات خلال فترة الحرب العراقية-الإيرانية (١٩٨٠-١٩٨٨) وما بعدها. خلال فترة الحرب، امتنع المرجع الأعلى في النجف، آية الله الخوئي عن إصدار فتوى تدعم النظام البعثي، بينما كان الإيرانيون يقاتلون بمباركة مرشد الثورة آية الله الخميني، الذي يشغل أيضًا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية. إن الموقف السلبي من الحرب الذي اتخذه الخوئي لم يكن موضع تقدير من بغداد ولا طهران. وهكذا، فقد انهار التحالف طويل الأمد بين النجف وطهران، وبدأ النظام البعثي في مضايقة المراجع دون القلق من احتمالية استفزاز طهران.
تبنى النظام الإسلامي في طهران مبدأ ولاية الفقيه، والذي بموجبه يتمتع الفقيه بمنصب النائب العام للإمام الغائب، والمُخوّل بالتصرف نيابة عن المعصوم (النبي والأئمة الاثني عشر)، بما في ذلك الإشراف على حكم البلاد بوصفه "ولي أمر المسلمين". بعيدًا عن السلطة الفقهية لقُم والنجف، تمكن الخميني ومن بعده الخامنئي من فرض إرادتهما على المجال العام في إيران كمصدر للشرعية. في الوقت نفسه، أبقت المرجعية الشيعية في النجف نفسها بمنأى عن الأوضاع السياسية طيلة الفترة الممتدة من قيام الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ حتى سقوط النظام البعثي في بغداد عام ٢٠٠٣.
صعود السيد علي السيستاني:
خلال دراسته الحوزوية، تتلمذ السيد علي السيستاني على ثلاثة من العلماء الذين سبقوه في موقع المرجعية العليا: البروجردي والحكيم والخوئي. وقد كان تلميذًا مقربًا من أستاذه السيد أبو القاسم الخوئي الذي يعتبر أكبر المجتهدين في زمانه حتى توفي عام ١٩٩٢. وقد أمّ السيستاني صلاة الجنازة على الخوئي والتي تمت في ظروف أمنية مشددة.[8] وفي العرف الشيعي، فإن إمامة صلاة الجنازة على المرجع الراحل لها رمزية خاصة داخل الدائرة المقربة من المرجع (الخوئي). في كل الأحوال، فإن المستوى العلمي العالي للسيستاني، وقربه من الخوئي لم يكونا السببين الوحيدين لوصوله للمقام الذي بلغه اليوم.
شهدت فترة الثمانينيات رحيل مجموعة من أبرز علماء النجف. ففي عام ١٩٨٠، أعدم النظام البعثي المرجع البارز السيد محمد باقر الصدر. كان الصدر مرجعًا شابًا متميزًا أثر على مجموعة من العلماء الشباب، حتى أن بعض طلبته قد طرحوا مرجعيتهم لاحقا مثل السيد محمد حسين فضل الله (١٩٣٥-٢٠١٠). وفي عام ١٩٨٦، اغتال النظام السيد نصر الله المستنبط صهر السيد الخوئي والذي كان ينوب عنه في حال غيابه عن إمامة صلاة الجماعة؛ وقد حل السيستاني مكان المستنبط في إمامة الجماعة نيابة عن الخوئي. يضاف إلى ذلك هجرة مجموعة من أبرز طلبة الخوئي من النجف إلى قُم، الذين غادروا إما برغبتهم أو هربًا من مضايقات النظام في العراق. علماء أمثال السيد محمد الحسيني الروحاني (ت١٩٩٧)، الشيخ جواد التبريزي (ت ٢٠٠٦)، الشيخ الوحيد الخراساني(ولد ١٩٢١)، والسيد محمد صادق الروحاني (ولد ١٩٢٦) كان من الممكن أن يكون لهم حظوظ أقوى في مجال المرجعية لو أنهم بقوا في النجف، الحاضنة الرئيسة للفقه الشيعي.
عندما توفي الخوئي يوم ٨ أغسطس ١٩٩٢، كان السيستاني أقرب الطلبة للمرجع الأعلى. وكان السيد عبدالأعلى السبزواري (١٩١٠-١٩٩٣) الوحيد من أقران الخوئي الذين مازالوا على قيد الحياة، لكن السبزواري توفي بعد عام واحد فقط من وفاة الخوئي. ومنذ أغسطس ١٩٩٣، أصبح السيستاني المرجع الأعلى في النجف والذي حصد تأييد غالبية وكلاء الخوئي، بمن فيهم أبناء الخوئي الذين يديرون مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية، لقد كان لهذا التأييد دور في دعم مرجعية السيستاني.
في السنوات اللاحقة، توفي مراجع قُم الكبار، ومن أبرزهم السيد محمد رضا الكلبيكاني (ت١٩٩٣) والشيخ محمد علي الآراكي (ت١٩٩٤)، وتدريجيًا تعزّز الاعتراف بالسيستاني بوصفه المجتهد الأعلم لتقوى مكانته ويصبح المرجع الأعلى للشيعة في العالم.
كانت رحلة السيستاني لموقع المرجعية العليا تقليدية جدًا، حيث يتم صعود المرجع من خلال حقيقة كونه منافسًا قويًا للمرجع الراحل أو تلميذًا مقربًا منه. وكما جرت العادة، عندما يصبح أحد العلماء مرجعًا أعلى في النجف، فمن المرجح أن يصبح تلقائيًا المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في جميع أنحاء العالم.
المرجعية في مرحلة ما بعد ٢٠٠٣:
خلال الفترة الواقعة بين قيام الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ وغزو العراق عام ٢٠٠٣، اقتصر دور المرجعية في النجف على الشؤون الدينية، وكان الدور السياسي محدودًا للغاية. خلال تلك الفترة، تم تعزيز موقع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في طهران عن طريق بناء شبكة سياسية واقتصادية واجتماعية قوية حول أنحاء العالم تخدم أجندة الجمهورية الإسلامية. لم تكن مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية التي تأسست عام ١٩٨٩ منافسة للدولة الإيرانية. فالمؤسسة التي يقع مقرها الرئيسي في لندن متبوعًا بـ ١٥ فرعًا تتوزع بين كبريات مدن العالم تهتم بمجالات العمل الخيري التقليدية وعلى رأسها: الأنشطة التعليمية والتبليغ والدعوة المرتبطة بمرجعية النجف، وتتبع المؤسسة حاليًا مرجعية السيد السيستاني.[9]
شكّل سقوط النظام البعثي نقطة تحول أثرت على عموم منطقة الشرق الأوسط بنواحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فقد بدأت المرجعية تواجه العديد من التحديات وعلى رأسها الآمال الكبيرة التي عقدها العراقيون على مقام المرجعية بعد تحررهم من الدكتاتور ودخولهم تحت سلطة الاحتلال الأجنبي. وباعتباره المرجع الأعلى في النجف، تقع على عاتق السيد السيستاني مسؤولية التعامل مع تداعيات الغزو الأجنبي للعراق وعلى رأسها: الاحتلال الأمريكي والعنف الطائفي والانقسامات الداخلية والفساد.
شهدت المرجعية انتقالًا كبيرًا على المستوى السياسي. فبعد أن كان أقصى طموحها النجاة من بطش النظام البعثي، أصبحت المرجعية تراقب المشهد السياسي برمته، بل وتتدخل في الأوقات الحرجة.[10] لقد أصبح السيستاني يمثل الملاذ الذي يقصده السياسيون للحصول على النصح والتوجيه في أوقات الأزمات، فهم يعلمون أن عموم الشيعة سيلتزمون بتوجيهاته.[11] وهذا افتراضٌ واقعي يدعمه حقيقة أنه حتى رئيس الوزراء العراقي يبقى "بحاجة إلى اتخاذ خطوات ملموسة كافية بشأن الإصلاح ومحاربة الفساد من أجل أن يحظى بتأمين لقاء مع آية الله العظمى."[12] ومنذ احتلال العراق، أصبح على الإدارة الأمريكي التعامل مع السيستاني بوصفه "المتعهد الرئيسي للقوة "[13] الذي لا يمارس السلطة ولكنه ذو تأثير كبير على المجال العام، مما يمكنه من التدخل عندما تستدعي الضرورة. ومع ذلك، يتعامل السيد السيستاني مع المشهد السياسي بأسلوب عملي حذر يتناسب مع رؤيته لدولة مدنية، وهو بهذا يختلف عن النموذج الثيوقراطي الخميني (ولاية الفقيه). يمكن القول بأنه بغض النظر عن القوة الكبيرة التي يتمتع بها السيستاني، فهو غير معني باستخدامها لفرض إرادته كحاكم أو للانخراط في عملية الحكم. إن هذا الموقف يعكس فلسفته في المرجعية بوصفها موقعًا دينيًا وليس سياسيًا. وعليه، فكلما زاد تدخل المرجع في شؤون الدولة، زادت احتمالية وقوعه في المحذور. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانخراط العميق في العملية السياسة العراقية لن يؤدي إلا إلى وضع مرجع النجف الأكبر في موقف صعب يتمثل في أحد خيارين أحلاهما مُرّ:
١- الانخراط في المشهد السياسي للبلدان الأخرى ذات الكثافة السكانية الشيعية الكبيرة، من أجل الحفاظ على دوره كمرجع أعلى لعموم الطائفة.
٢- البعد عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهذا من شأنه أن يشكك في موقعية المرجع، وهل هو مرجع أعلى لعموم الطائفة أم للعراقيين فقط؟
من الواضح أن أيًّا من الخيارين لا يخدم المرجعية كقيادة دينية عابرة للحدود. وعليه، فإن السيستاني يؤسس لمبدأ جديد للمرجعية يقوم على الموازنة بين قوته الفعلية داخل العراق، وبين قيادته الروحية الأوسع للشيعة في بقية أنحاء العالم.[14] ويدل على تمسك السيستاني بهذا المبدأ أنه طوال تاريخه لم يتخذ أي موقف أو يصدر فتوى بشأن أي اضطرابات سياسية في بلد غير العراق.[15] هذا الموقف الحكيم سيتحول إلى عُرف أو مثال يحتذى لمراجع النجف المستقبليين، وإلا فإن الدولة العراقية وجماهير الشيعة في عموم العالم سيواجهون مستقبلًا صعبًا مع بقية المكونات الإقليمية في الدول العربية والقوى الإقليمية الأخرى مثل إيران والهند وباكستان وتركيا. إن اتباع النموذج الذي أطلقت عليه مسمى "مبدأ السيستاني" (Sistani Doctrine) يفترض أن يكون بمثابة نموذج لمراجع المستقبل لتجنب الأزمات السياسية المحتملة.
الصورة أعلاه: الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ممثل الزعيم الروحي الشيعي العراقي آية الله العظمى علي السيستاني، يلقي خطبة في الإمام الحسين في كربلاء في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2009. تصوير محمد الصواف/ AFP via Getty Images.
مسألة خلافة السيستاني:
بناء على الخلفية التاريخية التي تم توضيحها أعلاه، لن يكون من السهل خلافة المرجعية العليا في النجف، حيث تستلزم خلافة هذا الموقع عدة عوامل تتجاوز مسألة التفوق في مجال العلوم الشرعية. أول هذه العوامل أن يتوفر للمرجع شبكة من رجال الدين والقيادات الاجتماعية في المجتمعات الشيعية. هذه الشبكة تتجاوز في أهميتها حقيقة كون المرجع "المجتهد الأعلم" لأن هذه الصفة يحددها أهل الخبرة من المجتهدين أو أولئك الذين اقتربوا من بلوغ مرتبة الاجتهاد. وعادة ما يدعم أهل الخبرة أستاذتهم والمراجع الآخرين الذين تربطهم بهم علاقات متينة ويملكون وكالات شرعية منهم.
من أهم الخطوات الفعالة للاعتراف بالمرجع الأعلى أن يحصل على دعم المؤسسات الخيرية الدولية التابعة للمرجع الراحل. وهذا ما حصل حينما أعلنت مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية رجوعها في التقليد إلى السيد السيستاني بعد فترة وجيزة من وفاة السيد الخوئي.[16] وتنص المادة الخامسة من قانون إنشاء مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية ونظامه الداخلي على أن: " تعمل المؤسسة تحت إشراف المرجع الأعلى للطائفة سماحة آية الله العظمى الإمام السيد أبو القاسم الخوئي دام ظله مادام على قيد الحياة، ومن بعده: المرجع الأعلى للطائفة المعترف به من قبل أكثرية العلماء الأعلام، بشهادة مالا يقل عن ثلاثة أرباع أعضاء الهيئة المركزية للمؤسسة."[17] وثمّة رواية أخرى في هذا الصدد تفيد بأن المؤسسة قد عزِمت على الرجوع إلى السيد محمد رضا الكلبيكاني (ت ١٩٩٣) ولكنه رفض إعطاء إجازة شرعية للمؤسسة دون أن تكون له سلطة فعلية عليها بوصفه المرجع الشرعي لها. وعليه، قرر رئيس المؤسسة السيد عبدالمجيد الخوئي (١٩٦٢-٢٠٠٣)[18] الرجوع في التقليد إلى السيد علي السيستاني.[19]
لم تقتصر مرجعية السيستاني على مؤسسة الخوئي التي أعطت المرجعية دورًا إشرافيًا أشبه بالمنصب الفخري الذي يخول المؤسسة استلام الحقوق الشرعية بوكالتها عن المرجع السيستاني دون إعطاء المرجعية سلطة فعلية في إدارة المؤسسة. لقد أنشأ وكلاء السيستاني المقربون مجموعة من المؤسسات التي تقوم على الولاء للمرجع الجديد. عندما طرح السيستاني مرجعيته في ١٩٩٢، كان صهره السيد جواد الشهرستاني (ولد ١٩٥٤) قد فرض وجوده كشخصية لها احترامها ونفوذها في قُم. فقد انتقل الشهرستاني إلى قُم عام ١٩٧٧ ومارس عدة أنشطة هناك ليتوجها بإنشاء مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث الشيعي عام ١٩٨٦. خلال الاثني عشرة عامًا التي قضاها في قُم قبل طرح والد زوجته -السيد السيستاني- مرجعيته، نجح الشهرستاني في بناء شبكة متينة من العلاقات مكّنته من الترويج لمرجع النجف الصاعد في إيران. وقد تحوّلت مؤسسة أهل البيت إلى ذراع قوي لمرجعية السيستاني في إيران وعموم منطقة الشرق الأوسط. يشرف الشهرستاني على مكتب المرجعية الذي يضم تحت إدارته ٢٥ مؤسسة ومركزًا إسلاميًا تتوزع بين العراق وإيران وتركيا ولبنان وسوريا وباكستان وأفغانستان وألمانيا.[20] بعيدًا عن المشهد السياسي في العراق، يمكن اعتبار مكتب السيستاني في قُم الذي يرأسه الشهرستاني صوت المرجعية العليا في العالم.[21]
امتد نشاط طاقم مرجعية السيستاني ليؤسس كيانات جديدة مثل مؤسسة الإمام علي في لندن، والتي تعرف نفسها بأنها مركز الارتباط بآية الله السيد علي السيستاني تحت قيادة ممثل المرجعية السيد مرتضى الكشميري، صهر السيد السيستاني.[22] وعلى الطرف المقابل، يدير السيد محمد باقر الكشميري، الأخ الأصغر للسيد مرتضى مؤسسة الإمام المهدي (إمام) التي تضم فرعين أحدهما في ديربورن بولاية ميشيغان والآخر في فايرفاكس بولاية فيرجينيا (قرب واشنطن العاصمة). ورغم إن السيد مرتضى يحتفظ بموقع الرئيس في المؤسستين رسميًا، فإن السيد محمد باقر هو الرئيس الفعلي لمؤسسة إمام في الولايات المتحدة.[23] هذه المؤسسات التي يديرها الكشميري تتمتع بقوة ونفوذ تفوق مؤسسة الخوئي. وعليه، فإن أي مرشح مستقبلي لموقع المرجعية العليا سيحتاج إلى دعم هذه المؤسسات. نشير في هذا الصدد إلى ما ذهب له عباس كاظم وباربارا سلاڨن بأن شبكة الولاءات الواسعة التي يمتلكها السيستاني لن تتحول بيسر إلى من يخلفه.[24]
بالنسبة لوكلاء المرجعية حول العالم، فإنه من الصعب أن يلعبوا دورًا فعالًا ينافس دور المؤسسات المذكورة في تحديد هوية المرجع الأعلى. فالدعوة لمرجع آخر غير من ترشحه هذه المؤسسات القوية يبدو غير ممكن عند مقارنة النفوذ بين وكلاء محليين في منطقة ما ومؤسسات عابرة للحدود. نستشهد هنا بمثال بعد وفاة السيد الخوئي، حيث رجع عدد كبير من العراقيين في التقليد إلى السيد محمد محمد صادق الصدر (١٩٥٣-١٩٩٩)،[25] غير أن ذلك لم يؤثر على هيمنة مرجعية السيد السيستاني على المستوى العالمي. مثال آخر في المملكة العربية السعودية، بعد وفاة الخوئي والكلبيكاني أعلن عدد من القيادات الدينية البارزة دعمهم لمرجعية السيد محمد الحسيني الروحاني (١٩١٧-١٩٩٧)، وبعده الشيخ الميرزا علي الغروي (١٩٣١- ١٩٩٨)، ثم الشيخ الميرزا جواد التبريزي (١٩٢٦- ٢٠٠٦)، وأخيرًا دعوا إلى تقليد السيد السيستاني كخيار ضمن خيارات أخرى ضمت الشيخ الوحيد الخراساني (ولد ١٩٢١) والسيد محمد سعيد الحكيم (١٩٣١-٢٠٢١). هذا الموقف الذي اتخذه عدد من العلماء الأكثر نفوذًا في المجتمع الشيعي السعودي لم يفلح في وضع أيٍ من الأسماء المذكورة كمنافسٍ قوي للسيستاني في المجتمع الشيعي السعودي. بل إن هذا الموقف قد تسبب في اكتساب بعض الأسماء من الصف الثاني لعلماء الشيعة السعوديين الذين قرروا التحالف مع المؤسسات الكبرى التابعة للمرجعية مكانة أكبر في مجتمعاتهم من خلال دعمهم للمرجع الأقوى على مستوى العالم الشيعي.
قد تؤثر الانقسامات السياسية في العراق على المرجع القادم، حيث سيرثُ موقف الحيادية التي قام عليها "مبدأ السيستاني" والذي ينأى بالمرجعية عن الارتباط بأي حزب سياسي. يتطلب هذا الموقف درجة عالية من الاستقلالية المدعومة بشعبية كبيرة. وعليه، يجب أن يحظى المرجع القادم بشعبية تجعل السياسيين يتعاملون مع مواقفه تجاه القضايا السياسية الرئيسية في العراق باهتمام واحترام. كذلك فإن المرجع يحتاج لأن يكون مستقلًا عن الفصائل السياسية، مما يجعله غير محتاج إلى دعمهم أو مداراتهم؛ يشمل هذا مؤسسة الحشد الشعبي ولجانها التي تحتاج إلى مباركة المرجعية التي تضفي عليها الشرعية الدينية والاجتماعية.
بالنسبة للدول التي تحوي نِسبًا وازنة من الأقليات الشيعية، قد يكون لدى مجتمعاتها تطلعات لطرح مرجعيات محلية. وفي حال تعذّر ذلك، فإن من صالحهم دعم مرجعية غير معنية بالتجاذبات السياسية، حتى وإن كانت هذه المواقف السياسية لا تعدو كونها مجرد قوة كامنة لا يعلم متى تطفو على السطح. يرى البعض أن المرجعية المركزية قد تتسبب في قلق كبير فيما يتعلق بعلاقة أبناء الطائفة الشيعية بمرجعياتهم العليا في الدول المجاورة، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي.[26]
الصور أعلاه: الخلفاء المحتملون لآية الله العظمى علي السيستاني، من اليسار إلى اليمين: الشيخ محمد باقر الأيرواني، والشيخ حسن الجواهري والشيخ هادي آل راضي.
الصور أعلاه: آيات الله الذين قد تشكل جنسياتهم عقبة أمام أن يصبح أحدهم المرجع الأكبر، من اليسار إلى اليمين: الشيخ بشير النجفي والشيخ إسحاق الفياض والشيخ محمد السند.
الخلفاء المحتملون والتحديات التي قد تواجههم:
قبل عام ٢٠٠٣ كان موقع المرجعية يقتصر على التوجيه الديني لأبناء الطائفة الشيعية والإجابة على استفتاءاتهم الفقهية المتعلقة بشؤون الحياة اليومية. غير إن حقبة ما بعد ٢٠٠٣ شهدت صعود الأحزاب الشيعية إلى قيادة المشهد السياسي في العراق، وهذه الممارسات تستلزم شرعية دينية من المراجع. غير أننا يجب ألاّ نُغفلَ حقيقة كون أن تلك الأحزاب الإسلامية الشيعية قد بدأت نشاطها العملي في العراق في وقت كان المرجع الأعلى (السيد السيستاني) رقمًا صعبًا لا يحتاج إلى دعم من السياسيين؛ بل إن السياسيين هم من يخطبون وده ويحتاجون مباركته. وعليه، فمن المتوقع أن تعمل هذه الأحزاب على تعبئة الجماهير الشيعية في العراق لاتباع المراجع الذين يمتلكون علاقة جيدة معهم.
بالنسبة لحزب الدعوة، فهو ليس بحاجة إلى إعلان الرجوع في التقليد لمرجع معين، ومن المتوقع منه أن يتعامل مع المرجع الأعلى القادم باحترام كبير تماما كما فعلوا مع السيستاني. على العكس من ذلك، فإن التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر (ولد ١٩٧٤) يتبعون مرجعية السيد كاظم الحائري (ولد ١٩٣٨) المرجع العراقي الذي يقطن قم. في حال قرر الحائري الانتقال للنجف، فإنه من المحتمل أن يحصل على مزيد من المقلّدين؛ مع الأخذ في الاعتبار أن الحائري قد بلغ من العمر ٨٣ عاما مما يصعب من احتمالية وصوله لموقع المرجع الأعلى واحتفاظه به لفترة طويلة. نشير في هذا الصدد إلى كون التيار الصدري ذو توجهات عروبية -وذات نزعة عراقية بالتحديد- مما يقلل خياراتهم؛ إضافة لذلك كون الصدريين لا يقلدون السيستاني أصلا، فهم ليسوا جزءًا من المعادلة لتحديد المرجع الأعلى القادم.
يمكن اعتبار مكتب السيستاني في النجف العنصر الأكثر فعالية في المعادلة داخل العراق، فالمكتب معني بالتنسيق مع ممثليات المرجعية حول العالم. وفي هذا الصدد تبرز أهم الأسماء المرشحة لخلافة السيد السيستاني في موقع المرجعية العليا، وعلى رأسها: الشيخ محمد باقر الأيرواني (ولد ١٩٤٩) وهو مرشح قوي، كونه أحد الطلبة البارزين لمراجع مثل السيد أبو القاسم الخوئي، السيد محمد باقر الصدر، والسيد علي السيستاني. وهو كذلك ينتمي لأسرة علمية مرموقة أنجبت كثيرًا من العلماء الكبار مثل الشيخ الفاضل الأيرواني (١٧٨٢-١٨٨٥). كذلك ثمّة منافس قوي للأيرواني وهو الشيخ حسن الجواهري (ولد ١٩٤٩) الذي ينتمي هو الآخر لأسرة علمية مرموقة أنجبت العديد من العلماء الكبار، وعلى رأسهم الشيخ محمد حسن النجفي (١٧٨٥-١٨٤٩) صاحب كتاب جواهر الكلام المكوّن من ٤٤ مجلدًا في الفقه الاستدلالي. يضاف للمرشحين الأقوياء للمنصب الشيخ هادي آل راضي (ولد ١٩٤٩) الذي ينتمي أيضا لعائلة علمية مرموقة أنجبت العديد من العلماء الكبار، وعلى رأسهم الشيخ راضي النجفي (ت ١٨٧٣). بالنظر لعامل السن، فإن كلا من الأيرواني والجواهري والراضي لديهم الاحتمالية أن يكون أحدهم المرجع الأعلى القادم، في حال تم دعمه من الدائرة المقربة للمرجع الحالي، السيد السيستاني. ولا يُستبعد أن يدعم القائمون على مكتب السيستاني أحد هؤلاء العلماء ليكون خليفة للمرجع الأعلى تمهيدًا لطرح أحد أبناء السيستاني السيد محمد رضا (ولد ١٩٦٢) أو السيد محمد باقر (ولد ١٩٦٨) للمرجعية بعد ذلك. وفي لقاء جانبي مع د. عباس كاظم مدير برنامج مبادرة العراق في المجلس الأطلسي بواشنطن العاصمة، قال: "قد يقوم مكتب السيد السيستاني بطرح الشيخ إسحاق الفياض (ولد ١٩٣١)، المرجع الأفغاني المعروف، لموقع المرجع الأعلى. من ناحية الأعلمية، يتمتع الفياض بمكانة علمية قوية ـ وعلى الرغم من كونه أفغانيًا، فإن دعم طاقم السيستاني له وشهادة المجتهدين له بالأعلمية سيضمنان له وراثة موقع السيستاني." ولكن يبقى خيار دعم الأيرواني أو الجواهري أو الراضي داعمًا لاستقرار موقع المرجعية العليا حيث أنهم في بداية السبعين من العمر مما يؤهل من يتبوأ الموقع منهما للبقاء في موقعه مرجعًا أعلى لمدة تتراوح بين ١٠-٢٠ عامًا، مما سيتيح للمرجع الجديد أن يؤسس شبكة واسعة من الولاءات ترفدُ تلك التي سيرثها من السيستاني. يبقى أن نشير إلى مسألة ترشيح الشيخ الفياض أو الشيخ بشير النجفي (ولد ١٩٤٢) المرجع الباكستاني المقيم في النجف يظل محفوفًا بخطورة عامل السن التي قد لا تسعف هؤلاء العلماء الذين هم في سن مقاربة للسيستاني، تمامًا كما حصل مع السيد محمد سعيد الحكيم، الذي كان عدد من المراقبين يعتقد أنه الأقرب لخلافة السيستاني، ولكنه قد توفي في سبتمبر ٢٠٢١. يذكر أن عامل الأصل العرقي ليس في صالح الفياض والنجفي، إذ إنه تاريخيًا لم يصل لمقام المرجعية العليا شخص غير إيراني، إلا مرات قليلة حصل العراقيون من أبناء النجف على المنصب، وبالتالي يكون احتمال وصول مرجع قادم من أقلية شيعية في بلد بعيد عن الحواضر العلمية الشيعية أمرًا مستبعدًا. وهذا ينطبق أيضًا على المرجع البحريني الشيخ محمد السند (ولد ١٩٦١) الذي انتقل للنجف عام ٢٠١٠ ليطرح مرجعيته هناك.
وفي لقاء جانبي مع أحد أبرز وكلاء السيد السيستاني في المملكة العربية السعودية (طلب عدم الكشف عن هويته) صرّح أنه "من غير المستبعد أن يقوم بعض المجتهدين البارزين في قُم بالانتقال للنجف تمهيدًا لإعداد أنفسهم ليكونوا مرشحين أقوياء لموقع المرجعية العليا." وهذا الاحتمال قائم وبقوة، خصوصًا أن أبرز الأستاذة الحاليين في حوزة النجف أمثال الأيراوني والجواهري وآل راضي والسند قد انتقلوا من قُم إلى النجف بعد سقوط النظام البعثي عام ٢٠٠٣ ليصبحوا أبرز أساتذة البحث الخارج، مما أهلهم ليكونوا من أبرز أعمدة الحوزة الحاليين. وفي حال انتقل المزيد من المجتهدين من قُم إلى النجف، فإنهم -أي القادة الجدد- سيكونون ضمن معادلة خِلافة المرجع الأعلى الذي سياتي بعد السيستاني، إذ إن الوقت لن يُسعفهم لتكوين شبكة من الولاءات والتلاميذ الأقوياء الذين سيحتاجون إلى دعمهم للوصول إلى موقع المرجع الأعلى.
الخاتمة:
يعتبر موقع المرجع الشيعي الأعلى ثاني أهم منصب ديني في العالم بعد البابا الكاثوليكي في الفاتيكان، حيث يتبع أكثر من ٢٠٠ مليون شيعي في جميع أنحاء العالم توجيهاته الروحية وفتاواه الفقهية ويدفعون الخُمس أو يتلقون المساعدة منه أو من وكلائه. تواجه المرجعية العليا في النجف اليوم تحديًا خطيرًا لفراغ محتمل. إن الطريقة التقليدية المعتمدة على عُنصر الأعلمية تمنح النخبة من علماء الدين والأعيان والتجار قوة كبيرة في التأثير على مجتمعاتهم لاتباع المرجع الذي يدعمونه. ولكن يبقى العنصر الأساسي في عملية خلافة المرجع الأعلى متمثلًا في طاقم المرجع الأعلى الحالي، كون طاقم المرجعية الذي يمسك بمفاصل الشبكة المالية والعلاقات السياسية الحالية لمرجعية السيستاني سيكون هو المعني بحشد التأييد للمرجع القادم.
لا يمكن التنبؤ القطعي بهوية خليفة السيستاني. وستكون الأمور أكثر تعقيدًا في حال نشوب خلاف بين قيادات المؤسسات التابعة للسيستاني؛ قد يتسبب مثل هذا الخلاف في انقسامات في الوسط الشيعي مما قد يتسبب في إضعاف موقع المرجعية نفسه. في هذا الصدد، أختلف مع ما ذهب له مهدي خلجي من أن موقع المرجعية سينتهي بعد السيستاني. يستند خلجي في دعواه إلى موقف متحيز ضد النظام الثوري الإسلامي في بلده إيران والذي ينظر له خلجي بوصفه مهيمنًا على القرار الشيعي وقادرًا على حشد الشيعة في مختلف أنحاء العالم.[27] غير إن الدراسة المطولة - المكونة من ٤٠ صفحة - تتجاهل بشكل واضح حقيقة أنه لكي تكون شيعيًا متدينًا، فإنه يتوجب عليك تقليد مرجع في الفقه. علاوة على ذلك، فإن الغالبية العظمى من الشيعة في العالم - مثلهم مثل غيرهم من أتباع بقية الديانات والمذاهب - ليسوا مسيّسين، مما يعني أنهم غير معنيين باتباع المرشد الأعلى في طهران.
في هذا الصدد، يمكن تفهّم وجهة نظر عباس كاظم وباربارا سلاڨن حول عدم وضوح سيناريو خلافة السيستاني، وترجيحهما لأن يخلق رحيل السيستاني فراغًا بسبب غياب الوسيلة الرسمية لخلافته، كما أنه من المرجّح أن وفاته ستزيد من الشكوك حول الاستقرار السياسي للعراق واستقلاله. [28] وبغض النظر عن عدم اليقينية بملابسات عملية الاستخلاف، فمن المرجح أن يبقى عنصر الأعلمية عاملًا مركزيًا في المعادلة؛ مما يزيد في حظوظ مجموعة صغيرة من آيات الله الذين لا يصغرون السيستاني كثيرًا ليكون أحدهم المرجع الأعلى. بناء على ذلك، سيكون من الصعب تكرار السيناريو الذي أوصل السيستاني لموقعه الحالي كمرجع أعلى عابر للحدود خلال أقل من عامين من وفاة سلفه الخوئي. ووفقًا لأحد أفراد طاقم السيستاني البارزين (طلب عدم الكشف عن هويته)، "سيحتاج خليفة السيد السيستاني لمدة لا تقل عن ٧-١٠ سنوات حتى ينفرد بموقع المرجع الأعلى على مستوى العالم الشيعي."
إن عدم الاستقرار السياسي في العراق قد يكون عاملًا مؤثرًا على عملية اختيار المرجع الأعلى. فالمشهد اليوم أكثر تعقيدًا منه إبان وفاة السيد الخوئي في أغسطس ١٩٩٢، وقتها انقسم العراقيون بين السيد محمد صادق الصدر والسيد علي السيستاني، في الوقت الذي كان غالبية الشيعة خارج العراق يرجعون للسيستاني. قد يسعى الساسة العراقيون، ومعظمهم متورط في الفساد، أن يؤثروا على عملية اختيار المرجع القادم، حتى لو لم يتمكنوا من فرض اسم واحد لأنهم ليسوا وحدة متماسكة.
بغض النظر عن الحصول على شعبية كبيرة بين شيعة العالم، إذا لم يحظَ المرجع الأعلى القادم بشعبية كافية داخل العراق، فإنه سيواجه صعوبة كبيرة في إدارة شؤون المرجعية. هذا ما يثير السؤال: هل سيكون السيستاني آخر العظماء؟ وهل سيكون آخر مرجعية عابرة للحدود تشكل مظلة لغالبية الشيعة في العالم ولديها قوة إصدار الفتوى المؤثرة على عموم المنطقة؟ حتى لو لم تكن الإجابة "نعم"، فإن هذا لا يعني أنها ستكون "لا على الإطلاق". بعبارة أخرى، إن موقع المرجع الأعلى مرشح للاستمرار بعد السيد السيستاني، ولكن استقراره قد يواجه تحديًا خطيرًا بتعاقب سلسلة من المرجعيات العليا قصيرة الأجل في العقود القادمة حتى ظهور مرجع قوي - لا يتجاوز الستينات من العمر-[29] ليفرض نفسه كمرجع أعلى بدون منازع. نُعيد القول، إن العامل الأهم في هذه المعادلة الصعبة يتمثل في المؤسسات الخيرية العابرة للحدود (مثل مؤسسة الخوئي الخيرية ومؤسسة أهل البيت ومؤسسة إمام) والتي يسيطر عليها وكلاء السيستاني الرئيسيون الذين يرتبطون معه بصلات أسرية. في حال اتفق قادة هذه المؤسسات على طرح مرجع محدد، فسيكون من الصعب تخيل شخص آخر في الموقع.
[1] يرفض بعض المراجع الكبار إصدار رسالة عملية، ويكتفون بالإجابات على استفتاءات مقلديهم. في مثل هذه الحالات، يتم جمع أجوبتهم وترتيبها في كتاب واحد ليكون بديلا عن الرسالة التقليدية.
[2] Alrebh A.F. (2019) Muslims, Secularism, and the State. In: Woodward M., Lukens-Bull R. (eds) Handbook of Contemporary Islam and Muslim Lives. Springer, Cham
[3] Kadhim, Abbas and Abdullah F. Alrebh (January, 12, 2021). “A Shift Among the Shi'a: Will a Marj'a Emerge from the Arabian Peninsula? ” Middle East Institute
https://www.mei.edu/publications/shift-among-Shi’a-will-marja-emerge-arabian-peninsula
[4] Khalaji, Mahdi (2006). The Last Marja: Sistani and the End of Traditional Religious Authority in Shiism. Washington Institute for Near East Policy.
[5] Kadhim, Abbas and Abdullah F. Alrebh (January, 12, 2021). “A Shift Among the Shi'a: Will a Marj'a Emerge from the Arabian Peninsula? ” Middle East Institute
https://www.mei.edu/publications/amkanyt-althwl-ldy-alshyt-hl-syzhr-mrj-mn-shbh-aljzyrt-alrbyt
[6] هذا الجدول لا يتضمن المراجع الذين لم يتسلَّموا المرجعية العليا إلا لمدة قصيرة جدا (بضعة أشهر، أو سنة أو سنتين) مثل: الشيخ محمد تقي الشيرازي (١٨٤٠-١٩٢٠)، الشيخ فتح الله الغروي الأصفهاني (١٨٥٠-١٩٢٠)، السيد عبدالأعلى السبزواري (١٩١٠-١٩٩٣)، والسيد محمد رضا الكلبيكاني (١٨٩٩-١٩٩٣).
[7] عبدالله فيصل آل ربح (١٤ يناير ٢٠٢١). هل خسر الشيعة شاه إيران؟ صحيفة عكاظ السعودية
[8] صلاة السيد السيستاني على جثمان السيد الخوئي
[9] الموقع الرسمي لمؤسسة الإمام الخوئي الخيرية
[10] على سبيل المثال، أصدر السيد السيستاني عدة بيانات دعت السياسيين إلى أمور التزموا بها على الفور، ومنها:
- إنهاء الأعمال العسكرية في النجف عام ٢٠٠٤، والتي سمحت لمقتدى الصدر والميليشا التابعة له بمغادرة النجف.
- الدعوة إلى الانتخابات البرلمانية في يناير ٢٠٠٥.
- توجييه حزب الدعوة في ٢٠١٤ لاختيار مرشح آخر لرئاسة الوزراء غير نوري المالكي الذي قضى ٨ سنوات في المنصب.
- فتوى الجهاد الكفائي ضد داعش، هذه الفتوى قادت إلى تأسيس الحشد الشعبي الذي تحول فيما بعد إلى مؤسسة عسكرية رسمية.
[11] حسن حارث (٢٠١٩). سلطة السيستاني الحاذقة. مركز مالكوم كير-كارينيجي للشرق الأوسط.
[12] Kadhim, Abbas (September 15, 2020). Sistani’s roadmap to the renewal of political legitimacy in Iraq. Atlantic Council.
[13] Nasr, Vali (April 19, 2004). Understanding Sistani's Role. The Washington Post
[14] يتناسب مبدأ السيستاني مع المدرسة النجفية القديمة التي لا تسعى ولا تهتم لحكم العراق أو دعم نخبة شيعية معينة لإيصالها لحكم البلاد. تمامًا مثل موقف المرجعية بعد الثورة العراقية عام ١٩٢٠، حيث لم تظهر النجف أي اهتمام بالسلطة وقبلت - وربما دعمت - تنصيب ملك هاشمي سُنّي (فيصل الأول) لحكم العراق. ما يجعل موقف السيستاني مبدأً استثنائيًا هو صعود القوى السياسية الشيعية في العراق والصراع الطائفي العابر للحدود في هذه الحقبة، الأمر الذي يتطلب موازنة القوة بين الداخل العراقي ودول الجوار. في عام ١٩٢٠، كان احتمال تأثير موقف المرجعية على العراق فقط، أما في مرحلة ما بعد عام ٢٠٠٣ فإن احتمالية تأثير موقف المرجعية يشمل المنطقة بأكملها.
[15] مرت على زمن مرجعية السيستاني العديد من الاضطرابات في دول ذات أغلبية شيعية مثل:
- الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام ٢٠٠٩.
- أحداث الربيع العربي، لا سيما في الدول ذات النخب الشيعية فاعلة، بكون الشيعية أكثيرة كالبحرين، أو ذوي نفوذ عالي كما هو الحال في سوريا.
- الاشتباكات العسكرية بين أرمينيا وأذربيجان في ٢٠٢٠، كون أذربيجان دولة ذات أغلبية شيعية.
[16]استفتاءات للسيد السيستاني على موقع مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية:
[17] قانون إنشاء مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية ونظامه الداخلي، الصفحة الثانية- المادة الخامسة
http://www.alkhoei.net/ar/Document/5/مؤسسة%20الإمام%20الخوئي%20الخيرية
[18] The Guardian (April 12, 2003). Abdul Majid al-Khoei: Wise and moderate Shia cleric murdered before he could contribute to the rebuilding of Iraq. https://www.theguardian.com/news/2003/apr/12/guardianobituaries.iraq
[19] هذه القصة شائعة جدا في الأوساط الشيعية، وتشير الأخبار إلى أنها نُشرت في صحيفة الحياة، لكن أرشيف الصحيفة غير متوفر، وكل ما وجدناه من البحث بعض المواقع الالكترونية التي نشرت نص القصة ونسبته لصحيفة الحياة، ومن أبرز تلك المواقع التي نقلت القصة:
[20] موقع مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني
[21] Shafaqna English https://en.shafaqna.com
[22] مؤسسة الإمام علي عليه السلام- لندن
[23] الموقع الرسمي لمؤسسة إمام في الولايات المتحدة، السيرة الذاتية للسيد محمد باقر الكشميري
[24] عباس كاظم وباربارا سلاڨن (يوليو ٢٠١٩). ما بعد السيستاني والخامنئي: خلافة وشيكة ستشّكل الشرق الأوسط. المجلس الأطلسي-واشنطن العاصمة
https://www.atlanticcouncil.org/wp-content/uploads/2019/12/After-Sistani-and-Khamenei-IB_AR2.pdf
[25] والد السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري.
[26] عباس كاظم وعبدالله فيصل آل ربح (يناير ٢٠٢١). إمكانية التحول لدى الشيعة: هل سيظهر مرجع من شبه الجزيرة العربية؟ معهد الشرق الأوسط- واشنطن العاصمة
https://www.mei.edu/publications/amkanyt-althwl-ldy-alshyt-hl-syzhr-mrj-mn-shbh-aljzyrt-alrbyt
[27] Khalaji, Mahdi (2006). The Last Marja: Sistani and the End of Traditional Religious Authority in Shiism. Washington Institute for Near East Policy.
[28] عباس كاظم وباربارا سلاڨن (يوليو ٢٠١٩). ما بعد السيستاني والخامنئي: خلافة وشيكة ستشّكل الشرق الأوسط. المجلس الأطلسي-واشنطن العاصمة
https://www.atlanticcouncil.org/wp-content/uploads/2019/12/After-Sistani-and-Khamenei-IB_AR2.pdf
[29] بقي المراجع السابقون في موقع المرجعية العليا لسنوات عديدة لأنهم وصلوا للموقع في سن الستينات أو أوائل السبعينات. حاليًا، قد يكون من الصعب العثور على شخصية مناسبة في هذا السن.
The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.