شهدت مدينة الحسكة شمال شرق سوريا يوم 22 أغسطس الحالي توزيعا لمنشورات وملصقات مناهضة للنفوذ الإيراني في المدينة، حيث ظهرت الملصقات في عدة مناطق حساسة وسط المدينة في المنطقة المعروفة بـ "المربع الأمني" التي تخضع لسيطرة جيش النظام السوري وميليشيات الدفاع الوطني التي أصبحت تخضع لنفوذ إيران.
هذه المنشورات هي الثانية خلال هذا الصيف، وبحسب أحد الشباب المسؤولين عن توزيع الملصقات أفاد أنهم مجموعة من أبناء عشائر المدينة يرفضون التمدد الإيراني، حيث قاموا بتوزيع المنشورات في أحياء المطار والمحطة، وشارع الماركات وفي شارع الجامع الكبير وفي الشارع الرئيسي الذي يقع فيه فرع حزب البعث وسط المدينة.
وجاء في المنشور أن نشاطات وانتهاكات الميليشيات الإيرانية تشكّل تهديدا للنسيج الاجتماعي والعشائري في الحسكة، ويأتي ضمن مساعي إيران لإحداث تغييرات اجتماعية من أجل إضعاف عشائر الحسكة وسهولة السيطرة عليهم، ونبّه المنشور إلى أن هذه المليشيات تحاول استغلال الوضع الاقتصادي السيء لتجنيد أبناء المدينة لخدمة المشروع الإيراني في المنطقة، ودعا موزعو المناشير إلى تحرك عشائري لمواجهة هذه الأنشطة والتمسك بقيم ثورة السوريين الداعية لتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية.
استغلال التوتر العسكري وفتح باب التجنيد
تحاول إيران عبر وكلائها على الأرض استغلال حالة التوتر الذي تشهده الحدود الشمالية لسوريا بين الجيش التركي وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، عبر الدفع بمزيد من التعزيزات العسكرية واللوجستية عبر الاحتماء بالتعزيزات التي دفعتها قوات النظام إلى المحافظة خلال الأسابيع الماضية.
وبحسب مصادر محلية فقد افتتحت إيران دورات تجنيد جديدة في ريف القامشلي الجنوبي، عبر الحاج مهدي القيادي في حزب الله الذي أعلن رفع رواتب منتسبي قوات المهام إلى أكثر من 100 دولار حيث بلغ عددهم حتى مطلع الشهر الحالي أكثر من 1200 منتسب، كما يحاول افتتاح مقرين إضافيين قرب طريق m4 جنوب المدينة، حيث يملك الحاج مهدي مقرين سابقا الأولى يدعى مقر مكتب النقل وهو المقر الرئيسي لاجتماع قيادات المهام والثاني مقر الكم او الثروة الحيوانية يعد مستودع للسلاح ومركز لتدريب العناصر الجدد.
تشير المعلومات إلى أن الدورة الجديدة من العناصر البالغ عددهم 300 عنصر معظمهم من ن المطلوبين للتجنيد الإجباري في جيش النظام أو المنشقين وذلك مقابل تعهد الحاج مهدي بحمايتهم من الملاحقة الأمنية ويكون رابتهم 100 دولا بشكل مبدئي وكان من المفترض أن تبدأ مطلع هذا الأسبوع ولكن خلافات بين الحاج مهدي وقائد الدفاع الوطني العقيد احمد المعروف بقربه من القوات الروسية في مطار القامشلي أدت لتعليق افتتاح الدورة.
قبل يومين صدر قرار مفاجئ بإقالة العقيد احمد وتعيين رجل إيران في القامشلي حسن السلومي، وهذا ما يدل على النفوذ الواسع الذي وصل إليه الحاج مهدي والقيادات الإيرانية في المنطقة، ما يعني أن الدورة التي تم تعليقها سيعاد تفعيلها من جديد إضافة لنية الحاج مهدي زيادة عدد العناصر بشكل أكبر خلال الفترة القادمة.
الحرس الثوري يفتتح مقرا لسرايا الخرساني في الحسكة
مصادر خاصة من داخل مدينة الحسكة أكدت ان فصيلا جديدا يدعى "سرايا الخرساني" يعرف بتبعيته المباشرة للحرس الثوري الإيراني قد افتتح مقرا وسط المدينة بدعم من قائد الدفاع الوطني المدعو عبد القادر حمو، حيث تم افتتاح المقر بعد زيارة قام بها الحاج مهدي، برفقة قيادات عراقية للمدينة قبل أسبوع، وتم تعيين القيادي العراقي أحمد الكناني والسوري أبو الحسن للمتابعة مع عبد القادر حمو، لتوسيع وتحصين المقر الجديد.
وصل عدد عناصر السرايا في المقر الجديد إلى 50 عنصرا مع افتتاح باب الانتساب للفصيل ودفع رواتب مغرية للعناصر، إضافة إلى مقر استقطاب حزب الله في المدينة والتي يبلغ عدد منتسبيه أكثر من 200، ويشكل الفصيلان مرجعا داعما لنشاطات قائد الدفاع الوطني، عبد القادر حمو المعروف بنشاطاته المشبوهة في تجارة المخدرات وترويجها في المحافظة.
بدأت تنتشر خلال الأيام الماضية صور قاسم سليماني وعلى الياسري قائد سرايا الخرساني وحسن نصر الله بشكل واسع في المدينة إذ توجد هذه الشعارات على سيارات الدفاع الوطني، ومداخل المقرات العسكرية التابعة للدفاع الوطني، وبات من الطبيعي أن تسمع في شوارع المربع الأمني أناشيد عراقية تمجّد السرايا والحشد الشعبي وقاسم سليماني.
تعرف "سرايا الخرساني" التي تأسست في العراق عام 1995م، ويقودها حاليا المدعو علي الياسري أبو القاسم، وتتبع للحرس الثوري الإيراني وتحمل نفس شعار الحرس الثوري، وتعرف هذه السرايا بولائها المطلق للولي الفقيه، وتشير مصادر عراقية إلى دور مباشر لهذا الفصيل في قتل المتظاهرين عبر قناصين خلال احتجاجات بغداد 2019، كما قاتل الفصيل في سوريا في كل من ريف دمشق وحلب.
تهديد للقوات الأميركية واستغلال العشائر
يبدو أن التوتر الذي شهدته مناطق شرق الفرات وخاصة دير الزور خلال الأيام الأخيرة بين القوات الأميركية في حقل العمر وميليشيات إيران المنتشرة على ضفاف نهر الفرات، لن يكون الوحيد، بل هو البداية فقط، وربما نشهد ازديادا في الهجمات التي تستهدف دوريات وقواعد التحالف الدولي أو حتى قوات سوريا الديمقراطية المدعومة اميركيا في المنطقة.
إن افتتاح مقرات تتبع للحرس الثوري الإيراني وسط مدينة الحسكة، إضافة لمقرات حزب الله وتمكنها من تجنيد مئات من أبناء العشائر، سيشّكل خاصرة رخوة يمكن لإيران عبرها إزعاج القوات الأميركية بشكل مستمر، إذ توجه القيادات الإيرانية والعراقية العناصر في المقرات الجدد إلى أن الهدف الأساس هو تحرير الحسكة من قسد وطرد القوات الأميركية.
يؤكد أحد عناصر الدفاع الوطني إن القيادات العراقية التي زارت المحافظة الأسبوع الماضي أكدت على هدفها في محاربة القوات الأميركية وتحرير المدينة من سيطرة قسد، وقالت إن مزيدا من السيارات والأسلحة المتوسطة والثقيلة ستصل تباعا للمدينة خلال الأيام القادمة، تحضيرا لما قالوا إنها معركة التحرير.
هل تنجح دبلوماسية حياكة السجاد في الحسكة؟
اتبعت إيران في الأشهر الماضية سياستها المعتادة في حياكة السجاد، والدخول عبر الطرق الناعمة بهدوء وصبر وتباطئ من أجل ترسيخ نفوذها في المحافظة مستغلة سخط نسبة واسعة من وجهاء وأبناء العشائر على سياسات قوات سوريا الديمقراطية التمييزية بحقهم، والأوضاع الاقتصادية المتردية لتوسيع نفوذها والتغلغل أكثر من المدينة عبر مستويات عسكرية ميدانية واجتماعية.
استدعت إيران خلال الأسبوعين الماضيين وفدا من وجهاء وزعماء قبائل من الحسكة في ظهران وقم، على رأسهم كان ضاري الفارس العساف شيخ قبيلة طي في الحسكة، وبعد يوم من عودتهم إلى الحسكة، تم الإعلان بشكل مفاجئ عن إعادة هيكلة مجلس القبائل والعشائر التابع للنظام في المنطقة الشرقية والتي كان يتزعمه حسن المسلط أحد وجهاء قبيلة الجبور والمعروف بقربه من القوات الروسية، حيث تم تعيين ضاري الفارس العساف زعيما للمجلس ونائبه أصبح محمود الحسناوي المعروفين بولائهما لإيران، ورغم رفض المسلط لذلك إلا أن القرار صدر وأصبح المجلس بمعظم أعضائه من الموالين لإيران.
تشير المعلومات إلى أن أشخاصا ينشطون في مدينة الحسكة وبعض قرى ريف القامشلي، لشراء عقارات وأراضي زراعية مستغلين موجة الهجرة الكبيرة التي تشهدها المحافظة خلال هذه الأيام، حتى إن آخر العروض من أشخاص مرتبطين بعبد القادر حمو في مدينة الحسكة كان شراء منزل من عائلات في المدينة مقابل إخراج أثنين او ثلاثة من أبنائها إلى أوربا، حيث تبلغ تكلفة هجرة الشخص الواحد من الحسكة إلى ألمانيا عبر طرق غير قانونية نحو 10 آلاف دولار.
بهذه الطريقة تحقق إيران مزيدا من النفوذ حيث تتخلص من لا يرغب التطوع أو الانضمام لميليشياتها عبر تسهيل هجرتهم والسيطرة على مزيد من العقارات كما حصل في محيط دمشق وحمص ودرعا خلال السنوات الماضية ما يسهم في إحداث خلل ديمغرافي سيظهر في المحافظة خلال سنوات قليلة.
ماهي أهداف إيران من التمدد في الحسكة
تريد إيران من زيادة نفوذها وترسيخه في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، أن تؤمن بشكل عاجل وسريع طريقا بديلا لميليشياتها عبر العراق، ربما لم يعد معبر القائم قرب دير الزور آمنا بعد الاستهدافات الأميركية المتكررة للمنطقة، لذلك ربما يشكل تمددها في الحسكة تأمين خط إمداد ثاني وخاصة أن الحسكة قريبة من منطقة سنجار وربيعة وتل عفر العراقية التي تنتشر فيها جزء من قوات الحشد الشعبي.
كما انها تروج عقائديا عبر محاولة فتحها هذا الطريق إلى استعادة ما يعرف في العقيدة الشيعية "طريق السبايا" وهو طريق تقول الحكاية الشيعية إن قتلة الإمام الحسين سلكوه للوصول إلى دمشق حاملين معهم عائلة الحسين كأسرى، وهو يمتد من الكوفة إلى شمال العراق ثم قرب مدينة القامشلي وصولا إلى حلب.
وتريد إيران من تمددها في الجزيرة السورية أن تكون شريكة وفاعلة في أي اتفاق يحصل بخصوص مستقبل المنطقة وخاصة مع بوادر التقارب التركي الروسي الإيراني بخصوص مواجهة تهديد حزب العمال الكردستاني والسعي لإعادة فتح العلاقات بين أنقرة ودمشق وخاصة أن الدول الثلاث تطالب القوات الأميركية بالانسحاب من منطقة شرق الفرات.
تسعى إيران بشكل معلن إلى تكرار تجربة العراق ودفع القوات الأميركية للانسحاب أو تخفيف نشاطها عبر مزيد من الضغط على القواعد الأميركية، وإذا ما صدقت تهديدات وكلاء إيران في الحسكة باستهداف طرق الدوريات الأميركية سيشكل هذا تهديدا حقيقيا لطرق امداد وتحرك قوات التحالف الدولي في المحافظة.
إن نجاح إيران في استغلال السخط العشائري على قسد لكسب ولائهم لن يكون بهذه السهولة وخاصة ان أبناء هذه العشائر على صلات قربى بعشائر العراق التي عانت سنوات عديدة من الممارسات الإيرانية التي هددت وجودهم وتاريخهم وهويتهم.
إن بوادر المقاومة الشعبية من أبناء العشائر بدأت تظهر عبر الملصقات والمنشورات التي انتشرت في مدينة الحسكة والتي ربما ستتكرر خلال الفترة القادمة ولكن يبقى التعويل على تحرك جدي لدعم هذه التحركات قبل أن يفوت الوقت وتتمكن طهران من إكمال نسج سجادتها الجديدة شرق الفرات.
سامر الأحمد: صحفي وباحث سوري يختص بمتابعة التطورات شمال شرق سوريا، طالب ماجستير علاقات دولية، قدم عددا من التقارير والأبحاث لمراكز عربية واجنبية.
على التويتر: @sameralahmadnq
The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.