أحدثت انتخابات 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021 ثلاث تحولات استراتيجية رئيسية في العملية السياسية العراقية، والتي على الرغم من أنها لم تسفر بعد عن تغييرات جوهرية في عملية تشكيل الحكومة الحالية، إلا أنها تتمتع بإمكانية هائلة لإحداث المزيد من التغييرات الجوهرية في المستقبل. أولاً، تعرضت الفصائل الموالية لإيران عبر القوائم والأحزاب السياسية العراقية، سواء داخل الكتل الكردية أو السنية أو الشيعية، لخسارة ثقيلة. ثانيًا، فازت الأحزاب التي انبثقت عن الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، "امتداد وإشراقات كانون"، بتسعة مقاعد وستة مقاعد على التوالي في منافستها الانتخابية الأولى. ثالثًا، كان هناك توطيد لقيادة الأحزاب السياسية الشيعية بقيادة مقتدى الصدر ونوري المالكي، والأكراد بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، والسنة بقيادة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي. وفي تطور رئيسي رابع بعد الانتخابات، كشفت التكتيكات المتداعية للميليشيات العراقية المدعومة من إيران عن إمكانياتها وحدودها ومدى قدرتها على تعكير صفو العملية السياسية وتهديد استقرار العراق. هذه التحولات متجذرة في التغييرات التي حدثت في المجتمع العراقي وقد ظهرت من خلالها، وهي جزء من تيارات زيادة النضج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي لا تزال مستمرة في جميع أنحاء العراق على الرغم من كل الجهود التي تسعى لتعطيلها وقمعها. وفي الوقت نفسه، فإن هذه التحولات الاستراتيجية هي أيضًا مظهر من مظاهر الدبلوماسية الهادئة التي تجري بين القوى الإقليمية واللاعبين الرئيسيين، كما أبرزته المحادثات السعودية الإيرانية، والزيارات التركية الإماراتية رفيعة المستوى، وتجديد العلاقات السورية مع الدول العربية الأخرى. وشبكات توصيل الطاقة/الكهرباء التي تربط بين مصر والأردن والعراق.

ومع ذلك، لا تزال عملية تشكيل الحكومة العراقية تتسم باتخاذ القرارات على المدى القصير والكثير من المساومات والمقايضات مع تخطيط استراتيجي قليل أو منعدم، و"التسويق السياسي" التقليدي للمناصب الحكومية العليا بدءًا من دور رئيس الوزراء، وهو الأكثر أهمية على الإطلاق. للتحولات الاستراتيجية التي أحدثتها انتخابات أكتوبر/تشرين الأول آثار طويلة المدى وستعتمد على نتائج مماثلة في الانتخابات اللاحقة للعراق ليشهد تغييرًا هيكليًا جوهريًا في طبيعة العملية السياسية وسياسات الحكم. تكمن أهمية انتخابات أكتوبر/تشرين الأول في أنها كشفت عن الحجم الفعلي للميليشيات العراقية المدعومة من إيران والوكلاء السياسيين لإيران داخل العملية السياسية العراقية ومدى سلطتهم وامتداد نفوذهم وقدراتهم، الأمر الذي يستطيع أن يُمكِّن ويتيح قيام أحزاب سياسية محلية جديدة. في الوقت الحالي، يستخدم المعسكران الشيعيان، المالكي/هادي العامري والصدر، تكتيكات متعددة للتوصل إلى إجماع على اختيار مرشح لرئاسة الوزراء وتقاسم غنائم الحكومة، الأمر الذي سيتيح بالتالي إطلاق المفاوضات مع الأكراد والسنة – وهو نهج لا يختلف في جوهره عن عمليات تشكيل الحكومة السابقة في العراق، ومن غير المرجح أن يسفر عن التغييرات الضرورية للوصول إلى الحكم الرشيد. وبينما لا تزال العملية السياسية في العراق بحاجة إلى انتخابات لمرتين أو ثلاث أخرى حتى يتم تغييرها بالكامل، لكن انتخابات أكتوبر/تشرين الأول تعد علامة بارزة على طول الطريق.


The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.