جايسون باك وولفغانغ بوزاتي
انتهت الحرب من أجل طرابلس التي شنها المشير خليفة حفتر في أبريل 2019 نهاية مفاجئة في يونيو 2020 بعد الدخول واسع النطاق للقدرات العسكرية التركية إلى مسرح الأحداث في بداية العام. وتسعى هذه الورقة البحثية إلى التعمق في الجوانب العسكرية واللوجستية والتكنولوجية للحرب، وتسليط الضوء على الدور الفريد للطائرات بدون طيار، وتقنيات القتل الناعم والقتل العنيف، والمتعاقدين العسكريين من القطاع الخاص والخبراء العسكريون الخارجيون في تحديد النتيجة النهائية.
قائمة المحتويات
1. الملخص
2. المقدمة
3. مقدمات الحرب من أجل طرابلس والآراء حولها
4. القتال بحد ذاته: علم نفس وتكتيكات
5. ركائز الهيمنة الجوية الأولية للجيش الوطني الليبي
6. الرعاة الدوليون لحكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي
7. تقييم ديناميكيات المعركة بعد 8 أشهر من الحرب
8. "وقف إطلاق النار" في يناير 2020 - نقطة تحول
9. الاستراتيجية والتكتيكات التركية لكسر الحصار على طرابلس
11. المرتزقة
12. القدرات التقنية
13. دور الاستخبارات
14. المدفعية والطائرات بدون طيار والرادار
15. قلب الموازين
16. الاستنتاج: الطريقة الليبية الفريدة في الحرب والملاحظات العسكرية القابلة للتعميم
الملخص
انتهت المرحلة الأخيرة من جولات الصراع الأهلي المستمر في ليبيا، والمعروفة باسم الحرب من أجل طرابلس (أبريل 2019 - يونيو 2020) بشكل مفاجئ بعد الدخول واسع النطاق للقدرات العسكرية التركية إلى مسرح الأحداث بدءًا من يناير 2020. وبعد إعادة النظر في الأحداث بناءّ على المعرفة التي تم اكتسابها لتحليل ما حصل في ليبيا ومقارنته بالحروب الأهلية المماثلة، بدا من الواضح أن العوامل الحاسمة التي غيرت مجرى أحداث الحرب من أجل طرابلس تمثلت في عوامل عسكرية وتكنولوجية ودبلوماسية جديدة.
وتسعى هذه الورقة البحثية إلى التعمق في الجوانب العسكرية واللوجستية والتكنولوجية للحرب، وتسليط الضوء على الدور الفريد للطائرات بدون طيار، وتقنيات القتل الناعم والقتل العنيف1، والمتعاقدين العسكريين من القطاع الخاص (الشركات العسكرية الخاصة، والمعروفة أيضًا باسم المرتزقة)، والخبراء العسكريون الخارجيون (عناصر الجيوش الأجنبية) في تحديد النتيجة النهائية. ودخلت معظم هذه الأسلحة والأفراد إلى ليبيا في انتهاك لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة، ودون فرض عقوبات على الانتهاكات المتكررة. (لن نحلل أو نناقش الجوانب الفنية القانونية لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة بشكل متعمق لأنها لم تكن مؤثرة فعليا في تشكيل مسار القتال - باستثناء احتمالية منع الدول الغربية من إدخال المزيد من الأسلحة أو الأفراد إلى مسرح الأحداث، على النحو الذي سلكته بعض القوى الإقليمية.)
بناءّ على البحث الذي أجريناه، توصلنا إلى أن الاشتباكات الحاسمة في الحرب من أجل طرابلس قد خاضتها وخططت لها جهات غير ليبية وتجسدت بصورة اشتباكات جوية من خلال الاستخدام الحصري لتقنيات لا يملكها ولا يشغلها الليبيون. وعلى العكس من ذلك، فإن الأهمية العسكرية للمرتزقة الأجانب (السوريين والسودانيين والتشاديين والروس) الذين يقاتلون في الاشتباكات البرية مبالغ فيها إلى حد كبير. فقد خاض الليبيون جميع الاشتباكات البرية الهامة التي انتهت بفقدان المناطق أو الاستيلاء عليها. لكن من خاض الحرب كانوا أجانب ومن كسبها بشكل أساسي هم الأتراك.
خلال الأشهر التسعة الأولى من الصراع، كان تحالف الجيش الوطني الليبي هو المسيطر نتيجة هيمنته الجوية، ويرجع ذلك أساسًا إلى عمليات نقل التكنولوجيا من الإمارات والأطراف الأخرى، والطائرات المقاتلة السوفيتية القديمة التي كانت موجودة في عهد القذافي وطائرات الهليكوبتر الهجومية والأفراد المتمرسون. ومنذ يناير 2020 وما بعد ذلك، أدى إدخال تركيا المفاجئ للتقنيات الجديدة والأسلحة والمهارات وقدرات التخطيط الاستراتيجي إلى تغيير الدفة بشكل حاسم، مما أعطى تحالف حكومة الوفاق الوطني قدرة مفاجأة للسيطرة على سماء إقليم طرابلس.
توضح هذه الورقة كيف ولماذا كان الدعم الجوي التركي: 1) مختلفًا تمامًا عن المساعدة الجوية التي قدمتها الجهات الراعية لوكلائها في الحروب الأهلية الأخرى؛ و2) حاسما بالنسبة لحظوظ تحالف حكومة الوفاق الوطني القتالية؛ و3) ما هي الدروس المستفادة بالنسبة لساحات الأحداث العسكرية الأخرى، وبالنسبة للنزاعات الأخرى منخفضة الحدة حول العالم في العقد القادم.
"وعلى عكس القوات الإسلامية المتشددة غير المنظمة التي تمت مواجهتها سابقًا في بنغازي أو درنة، كانت القوات المناهضة للجيش الوطني الليبي في المنطقة الغربية ذات انتماءات أيديولوجية أقل نسبيًا وأفضل تنظيمًا وأكبر عددًا وأفضل تجهيزًا وتسليحًا."
المقدمة
خلال ربيع عام 2019، دخلت حروب خلافة ما بعد القذافي مرحلة جديدة. وشن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر هجومًا مفاجئًا للسيطرة على طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليًا2، إضافة إلى مقرات أهم المؤسسات الاقتصادية في البلاد مثل مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الليبية للاستثمار والمؤسسة الوطنية للنفط. وقوبل الهجوم المفاجئ للجيش الوطني الليبي بالغضب في العديد من الأوساط، بينما حظى بالدعم في أوساط أخرى.
على الرغم من أنهم كانوا يقاتلون بعضهم البعض بشكل متقطع لسنوات، ومع قيام الجماعات الموالية للجيش الوطني الليبي بتوسيع أراضيها بشكل تدريجي بين عامي 2014 و2019، فإن التهديد المفاجئ لطرابلس حفز على تطوير آلية تنسيق بين الجيش والميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الوطني وهي عملية بركان الغضب، التي تعتبر مظلة شاملة للتنسيق بين الميليشيات، وكانت مؤثرة وفعالة أكثر من أي ترتيبات أو إجراءات سابقة. وتولى قيادة هذه العملية إلى حد كبير القوات العسكرية القوية والشخصيات السياسية المحنكة من مصراتة، وهي مدينة ساحلية على بعد 210 كيلو مترا شرق طرابلس والتي تنافس طرابلس، منذ الإطاحة بمعمر القذافي، باعتبارها المركز المالي والدبلوماسي والعسكري لغرب ليبيا.
مقدمات الحرب من أجل طرابلس والآراء حولها
كانت معركة الجيش الوطني الليبي من أجل بنغازي في الفترة بين عامي 2014 و2017 حرب استنزاف مطولة استمرت لأكثر من ثلاث سنوات انتصر فيها أخيرًا عبر معركة دامية في الشوارع راح ضحيتها الكثير من الضحايا المدنيين ووقعت فيها انتهاكات حقوق إنسان موثقة على الجانبين. وبعد أن أنهى الجيش الوطني الليبي عملياته اللاحقة في درنة بحلول أوائل عام 2019 (المليئة أيضًا بانتهاكات حقوق الإنسان من جميع الأطراف)، بدأ هجومًا في جنوب ليبيا شهد استيلاءه أولا على أكبر حقل نفط في البلاد ثم إنشاء الخطوط اللوجستية الهامة التي ستسهل فيما بعد هجومه على طرابلس وتحافظ على خطوط إمداده.
كان حفتر يعلم بأن هجومه سينظر إليه في كثير من الأوساط على أنه انتهاك للقانون الدولي ومكافئ لهجوم عسكري غير مبرر على حكومة معترف بها دوليًا. وبغض النظر عن العداء الشعبي الذي قد يخلقه بين سكان طرابلس، كان حفتر يأمل في احتلال سريع للعاصمة. وكان بحاجة إلى أن يكون الهجوم سريعًا وغير دموي نسبيًا للحفاظ على قاعدة دعمه بين قبائل شرق ليبيا وعدم إبعاد شرائح محددة من سكان طرابلس والتي من المحتمل أن تقبل حكمه، إذا أنهى أيضًا هيمنة الميليشيات .
لكن الرياح لم تجر بما تشتهي السفن. فلم يؤد الهجوم المفاجئ الأولي إلى حدوث الانشقاقات المأمولة بين الميليشيات الرئيسية الموالية لحكومة الوفاق الوطني مثل قوات الردع أو كتيبة ثوار طرابلس أو كتيبة النواصي أو القادة الأقوياء في الزاوية أو الزنتان الذين اعتقد حفتر أنهم سينضمون إلى قضيته. علاوة على ذلك، كانت الآراء المحلية والدولية سيئة للغايةحول هجوم الجيش الوطني الليبي بسبب اختيار حفتر الاستراتيجي لإطلاق هجومه في 4 أبريل 2019 - مباشرة قبل مؤتمر غدامس المقرر بوساطة الأمم المتحدة، وفي الوقت الذي كان فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريز في زيارة إلى طرابلس.
القتال بحد ذاته: علم نفس وتكتيكات
عندما بدأ حفتر حربه على طرابلس، واجه الجيش الوطني الليبي بيئة عمل صعبة تميزت بكثافة سكانية عالية إلى جانب ضواحي حضرية مفتوحة نسبيًا وشبكة طرق داخلية فوضوية في المدينة يمكن أن تؤدي بسهولة إلى معارك شوارع وحصيلة مرتفعة من الخسائر في صفوف المدنيين – في حال وصل القتال إلى وسط طرابلس. إضافة إلى ذلك، وعلى عكس القوات الإسلامية المتشددة غير المنظمة التي تمت مواجهتها سابقًا في بنغازي أو درنة، كانت القوات المناهضة للجيش الوطني الليبي في المنطقة الغربية ذات انتماءات أيديولوجية أقل نسبيًا وأفضل تنظيمًا وأكبر عددًا وأفضل تجهيزًا وتسليحًا. وكانت تمتلك مدفعية ودبابات ومستشارين أجانب محترفين وأنظمة دفاع جوي - وهي عناصر افتقر إليها خصوم الجيش الوطني الليبي بشكل واضح في بنغازي ودرنة.
بدأ حفتر هجومه الذي طال انتظاره للاستيلاء على العاصمة الليبية في 4 أبريل 2019. وبالنظر إلى ما حدث في بنغازي، استخدم الجيش الوطني الليبي استراتيجية للسيطرة على طرابلس كان يأمل في أن تمنع قواته من التعثر، كما حدث في بنغازي، وتستفيد مما اعتبرته افتقار الجماعات الموالية لحكومة الوفاق الوطني إلى الانسجام والتواصل. واستخدم الجيش الوطني الليبي مرارًا ما أصبح يُعرف باسم "تكتيك طرابلس" - وهو مناورة قط وفأر عسكرية سعت إلى جذب القوات المناهضة للجيش الوطني الليبي إلى المناطق المفتوحة أو ضواحي المدينة. ويقوم التكتيك على استيلاء قوات الجيش الوطني الليبي على موقع لفترة وجيزة والتخلي عنه بعد ذلك، مما يسمح لخصومها بالدخول واحتلال الموقع ليتم استهدافهم إما بقصف مدفعي أو هجوم جوي أو كمين. وباستخدام هذا التكتيك، كان الجيش الوطني الليبي يهدف إلى القضاء على المدافعين عن طرابلس، أو على الأقل إرهاقهم، من خلال الاستفادة من قدراته الهجومية الرئيسية ومزاياه النسبية في بداية القتال وهي المدفعية والقوة الجوية.
"استندت الهيمنة الجوية للجيش الوطني الليبي، التي استمرت على مدار عام 2019 بأكمله، إلى طائراته المقاتلة من طراز MiG-21 وMiG-23 وطائرات الهليكوبتر الهجومية Mi-24/35 والدعم الإماراتي المتخصص للطائرات بدون طيار. ومن بين 1040 غارة مسجلة بطائرات بدون طيار نُفذت بين أبريل ونوفمبر، فإن 800 غارة كانت من نصيب تحالف الجيش الوطني الليبي."
ركائز الهيمنة الجوية الأولية للجيش الوطني الليبي
استندت الهيمنة الجوية للجيش الوطني الليبي، التي استمرت على مدار عام 2019 بأكمله، إلى طائراته المقاتلة من طراز MiG-21 وMiG-23 وطائرات الهليكوبتر الهجومية Mi-24/35 والدعم الإماراتي المتخصص للطائرات بدون طيار. ومن بين 1040 غارة مسجلة بطائرات بدون طيار نُفذت بين أبريل ونوفمبر، فإن 800 غارة كانت من نصيب تحالف الجيش الوطني الليبي. وقامت الإمارات بتوفير الطائرات الصينية المقاتلة من طراز Wing Loong ll، ومن المرجح أنها تحكمت بتشغيلها، حيث تم استخدامها لتنفيذ غالبية هذه الضربات. إضافة إلى ذلك، اتُهمت طائرات ميراج 2000-9 التي كانت تقل طيارين إماراتيين ومصريين بالقيام بعمليات عرضية فوق العاصمة. من جانب حكومة الوفاق الوطني، فقد تم إدخال حوالي 24 طائرة تركية بدون طيار وبعض الأسلحة المضادة للطائرات على الفور، لكن خلال عام 2019 لم تكن هذه الدفاعات كافية للنجاح في التصدي للتفوق الجوي للجيش الوطني الليبي3. وشكلت جميع هذه التدفقات من الأسلحة والأفراد انتهاكًا لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. وعلى الرغم من القيام بها علانية إلى حد كبير، إلا أنه لم يكن هناك أي عواقب لهذه الانتهاكات.
الرعاة الدوليون لحكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي
لمجموعة من الأسباب، من بينها تشتت انتباه قادتهم بسبب الأزمات الداخلية، علاوة على الفضائح السابقة حول الجهات التي قاموا بتسليحها في ليبيا، لم يستجب كبار الحلفاء الدوليين التقليديين لحكومة الوفاق الوطني (إيطاليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة) لهجوم حفتر على طرابلس بإرسال معدات متقدمة وكبار المستشارين إلى طرابلس4. وامتلكت كل من القوى الثلاث القدرات اللازمة لقلب الموازين ضد الجيش الوطني الليبي على الفور ، لو كانت مستعدة لتكريس إرادة سياسية وعسكرية كافية. ومن بين أسباب تحفظ المؤيدين الغربيين لحكومة الوفاق الوطني في نشر الأسلحة والمدربين، الجدية التي تعاملت بها وزارات خارجية هذه الدول وجيوشها مع قرارات الأمم المتحدة ومخاوف الطبقة السياسية من رد الفعل المحلي للفت النظر إلى الأعمال العسكرية الفاشلة السابقة في ليبيا. من هنا، فإن النتيجة العسكرية الرئيسية الوحيدة للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على مسار القتال في الحرب من أجل طرابلس كانت منح القوى غير الغربية هيمنة شبه مطلقة في توفير الأسلحة والمدربين والمستشارين للتحالفين المتناحرين. علاوة على ذلك، من المحتمل أيضًا أن يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعلاقة دونالد ترامب المميزة مع روسيا وعلاقة إيطاليا المعقدة مع فرنسا قد ساهمت أيضًا في منع اتخاذ إجراءات حاسمة متعددة الأطراف.
وبسبب مجموعة من العوامل الدبلوماسية والآراء المذكورة أعلاه المحيطة بحظر الأسلحة "غير المطبق" الذي تفرضه الأمم المتحدة، وقع دور إمداد حكومة الوفاق الوطني على حليفين رئيسيين غير غربيين وهما تركيا وقطر. ولن يناقش هذا التقرير الدور القطري حيث يبدو أنه تمحور حول الدعم المالي والدبلوماسي واللوجستي للإجراءات التركية، بدلاً من مشاركة قطر العسكرية المنفصلة على المسرح الليبي، باستثناء نشر عدد محدود من القوات الخاصة. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار القطريين شركاء صغار في كل ما شاركت فيه تركيا وحققته في ليبيا في عام 2020.
لطالما كانت تركيا داعمًا عسكريًا لحكومة الوفاق الوطني وكذلك بعض ميليشيات مصراتة ومجلس شورى ثوار بنغازي. وقد قامت بتزويد حكومة الوفاق الوطني بطائرات قتالية من طراز Bayraktar TB2 بعد شهر من الحرب من أجل طرابلس، لكنها لم تكن قادرة على منافسة قدرات الجيش الوطني الليبي. ومما زاد الطين بلة، أن أنظمة Pantsir-S1 أرض-جو الروسية التي وفرتها الإمارات أعطت الجيش الوطني الليبي قدرات دفاع جوي متفوقة مقارنة بالمدفعية الحديثة نسبيا المضادة للطائرات وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة لحكومة الوفاق الوطني. وباختصار، كان بإمكان الجيش الوطني الليبي، منذ بداية الحرب من أجل طرابلس، الطيران دون اعتراض يُذكر وإسقاط العديد من الطائرات بدون طيار التابعة لحكومة الوفاق الوطني أو الطلعات الجوية التي تشنها.
كانت مساعدة الإمارات للجيش الوطني الليبي مدعومة من حليف الأخير على المدى الطويل، مصر. وسمحت مصر للإمارات باستخدام مجالها الجوي والوصول إلى قاعدة سيدي براني الجوية لإنشاء "جسر جوي" لنقل المعدات العسكرية إلى الجيش الوطني الليبي وشن غارات جوية بين الحين والآخر. كما دعمت مصر الجيش الوطني الليبي بشكل أكثر مباشرة ، في فصل جديد من تاريخها في تدريب قوات حفتر وفي الوقت نفسه تزويد الجيش الوطني الليبي أيضًا بالمعدات العسكرية.
مع استمرار الصراع في سبتمبر 2019، تم القضاء فعليًا على الأسطول التركي الأول من الطائرات بدون طيار من ساحة المعركة الجوية. وفي هذا الوقت تقريبًا، رجحت الكفة فعليا لصالح الجيش الوطني الليبي، حيث أصبح الدعم الروسي المباشر لحفتر على الأرض واضحًا بشكل متزايد. وبعد أن تعثرت قوات الجيش الوطني الليبي في الضواحي الجنوبية لطرابلس، عززت مجموعة فاغنر، أشهر الشركات العسكرية الخاصة في العالم والتي لها صلات وثيقة مع الكرملين، المساعدات التقنية وخدمات الصيانة التي تقدمها للجيش الوطني الليبي اعتبارًا من أغسطس 2019، ولا سيما في مجالات المساعدة التكتيكية والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع للضربات المدفعية والجوية. وباستثناء ملحوظ لبعض القناصة وخبراء الاستهداف، لم تقاتل قوات مجموعة فاغنر في الاشتباكات البرية ولم يكن هناك سوى عدد قليل من الضحايا الروس طوال مدة الحرب. وعلى الرغم من التقارير الإعلامية المبالغ فيها (عن قصد جزئيًا)، لم يكن هناك أكثر من 350-400 روسي يشاركون بشكل مباشر في معركة طرابلس، ومعظمهم لم يشاركوا في مهام الخطوط الأمامية. وكانت أهم مساهماتهم هي صيانة الطائرات، وتحديداً طائرات الهليكوبتر القريبة من خط المواجهة. وكانت أنشطة مجموعة فاغنر ببساطة غير قادرة على تغيير مجرى الأحداث في المعركة بطريقة أو بأخرى.
تقييم ديناميكيات المعركة بعد 8 أشهر من الحرب
في ظل انطلاق عملياته من مطاراته العسكرية ذات الموقع الاستراتيجي، سيطر الجيش الوطني الليبي اعتبارًا من أواخر عام 2019 على سماء ليبيا. علاوة على ذلك، فقد سيطر على أكثر من 90% من منشآتها النفطية وكان يتلقى الغالبية العظمى من التدفقات الأجنبية من المساعدة التقنية والتكنولوجيا العسكرية. وقد صدم بعض المحللين الذين كانوا يستبعدون المعارضة المحلية لحفتر في طرابلس ومصراتة، من انه وعلى الرغم من سوء إدارة الجيش الوطني الليبي للأبعاد السياسية للهجوم، فإن النجاح العسكري للجيش الوطني الليبي بدا وكأنه مجرد عملية استنزاف مستمر. وفي الواقع، خشي العديد من القادة العسكريين في طرابلس ومصراتة، ممن تحدث إليهم المؤلفون في ذلك الوقت، من احتمالية فقدان سيطرتهم على مداخل العاصمة.
لكن، ودون علم معظم قادة الميليشيات وكذلك معظم الصحفيين والمعلقين العسكريين الأجانب، كانت أيام الجيش الوطني الليبي في السيطرة على سماء طرابلس معدودة، من وراء الكواليس. وبمجرد أن وقعت حكومة الوفاق الوطني صفقة بحرية مثيرة للجدل مع تركيا تتضمن أحكاما عسكرية منفصلة في نوفمبر 2019، والتي تم التصويت عليها لاحقًا من قبل البرلمان التركي لتصبح قانونًا في يناير 2020، أصبح من الواضح أن هناك زيادة هائلة وشيكة في عمليات نقل التكنولوجيا التركية. ومع ذلك، بقي أن نرى مدى فعالية المعدات الجديدة أو كيفية تأثيرها بالضبط على ديناميكيات المعركة بشكل عام.
على الرغم من المؤشرات الواضحة على ازدياد شحنات الأسلحة التركية، إلا أن لمحة سريعة عن توازن القوى والقدرات في أواخر ديسمبر 2019 أوحت للبعض بأن طرابلس لا تزال في طريقها للوقوع في أيدي حفتر. وأثر هذا الرأي على المخططين العسكريين الإماراتيين والمصريين والروس. فمن وجهة نظر عسكرية بحتة (دون النظر إلى السياق الدبلوماسي أو المحلي) لم يفتقر هذا التحليل إلى المنطق - فقد فشلت عدة محاولات لنشر أنظمة دفاع جوي متطورة من تركيا في مصراتة لمواجهة الهيمنة الجوية للجيش الوطني الليبي، حيث قام الجيش الوطني الليبي بتدمير المعدات قبل أن تصبح جاهزة للعمل
"وبمجرد أن وقعت حكومة الوفاق الوطني صفقة بحرية مثيرة للجدل مع تركيا تتضمن أحكاما عسكرية منفصلة في نوفمبر 2019، والتي تم التصويت عليها لاحقًا من قبل البرلمان التركي لتصبح قانونًا في يناير 2020، أصبح من الواضح أن هناك زيادة هائلة وشيكة في عمليات نقل التكنولوجيا التركية."
"وقف إطلاق النار" في يناير 2020 - نقطة تحول
نظرًا للديناميكيات السائدة في نهاية عام 2019، أدركت قيادة حكومة الوفاق الوطني وغرفة عمليات بركان الغضب أنهم بحاجة ماسة إلى وقف القتال لإعادة ترتيب أوراقهم. وأرسلوا مبعوثين إلى العواصم الدولية الكبرى للمطالبة بالأسلحة والمساعدات العسكرية.
بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني، يمكن أن يوفر وقف إطلاق النار فرصة لنشر أنظمة دفاع جوي لحماية مطارات الإنزال المهمة للإمدادات العسكرية - مطار مصراتة ومطار معيتيقة في طرابلس - وكذلك ميناء الإنزال البحري الرئيسي في مصراتة. ولحسن الحظ، كان الروس حريصين أيضًا على وقف إطلاق النار في الوقت نفسه. ونتيجة لرد الفعل الإعلامي ضد إدخال موظفي مجموعة فاغنر وخوف الروس من فقدان السيطرة على ملف الوساطة الليبية، قرر فلاديمير بوتين محاولة تحقيق ما فشل حتى الآن في تأمينه بقوة السلاح من خلال الدبلوماسية. فبعد عدة أيام من المحادثات السرية على مستوى القمة، من المفترض أن المشير حفتر وافق شفهيًا، على وقف إطلاق نار اسمي اعتبارًا من 12 يناير، تحت ضغط شديد من مصر والإمارات. وربما كان يعتقد أن روسيا ستضمن وفاء تركيا "بوعدها" وعدم استغلال وقف إطلاق النار لنشر قوات أو أسلحة في ليبيا. وربما لم يدرك أنه وبسبب الجمود حول طرابلس، فإن خط ترسيم بين سرت والجفرة كحدود مستقبلية بين مناطق النفوذ الروسية والتركية قد تم مناقشته بالفعل.
واستنادا إلى هذه الخلفية، وقع فايز السراج رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني، في موسكو في 13 يناير وثيقة وقف إطلاق النار أعدتها روسيا وتركيا بشكل مشترك؛ ثم غادر روسيا دون أن يلتقي وجهاً لوجه مع حفتر، الذي اعتبره معتديا وقاتلا المدنيين. من جانبه، رفض حفتر التوقيع على الوثيقة الأصلية (ربما في تراجع عن التأكيدات الشفهية التي صدرت عنه في اليوم السابق) وأصر على بعض التغييرات، بما في ذلك البند "غير المنطقي" الذي أعرب عنه مرارًا وتكرارًا "بنزع سلاح الميليشيات (أي القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس) "، وكذلك خروج المرتزقة السوريين الذين جندتهم تركيا من إقليم طرابلس. وإضافة إلى مطالبه غير الواقعية بشكل واضح، أحرج حفتر راعيه بوتين بتأخره عن اجتماعهما ثم عدم توقيعه على الوثيقة التي أعدتها روسيا. في ليلة 13 يناير، غادر حفتر موسكو دون توقيع ، وشعر أن الروس تخلوا عنه، في حين شعروا هم أيضًا بالخيانة من جانبه.
في وقت لاحق، صمد وقف إطلاق النار المفترض الذي وعدت به تركيا لمدة 24 ساعة فقط. فقد رأى القادة الأتراك منافسيهم يقوضون مصالحهم دون رد انتقامي واسع النطاق من طرفهم، ولكن عندما أدركوا حجم الضرر الذي ستتعرض له مصالحهم نتيجة فشل عملية بركان الغضب، أصبحوا مستعدين لزيادة كمية الأسلحة التي يقدمونها بشكل كبير. هذا الإدراك، إلى جانب التغييرات في النظام الدولي على مدار عام 2019 والتي أعاقت استجابة أوروبية أو أمريكية موحدة، سمح للأتراك بالاستفادة من البيئة الدبلوماسية المتساهلة.
وقامت طائرات النقل التابعة للقوات الجوية التركية بنشر بطارية صاروخ أرض - جو متوسط المدى من طراز HAWK XXIفي مطار مصراتة، والتي تم تشغيلها على الفور. وبعد ذلك بوقت قصير، تم نشر بطارية ثانية في مطار معيتيقة بطرابلس. وذهب التفوق الجوي للقوات الجوية للجيش الوطني الليبي أدراج الرياح بين عشية وضحاها، وتهيأت الظروف لنشر المزيد من المعدات التركية المتطورة. إضافة إلى ما سبق، في أعقاب مؤتمر برلين في يناير 2020، والذي من المفترض أنه سعى إلى إنفاذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة أخيرًا، كثفت كل من الإمارات وتركيا بشكل كبير إدخالهما للمعدات العسكرية. إلا أن الإمارات افتقرت إلى العدد الكبير من الطواقم المتمرسة والخبيرة والقدرات العالية التي يمكن أن يوفرها جيش دولة في حلف الناتو يتمتع بخبرة قتالية واسعة. كما أنها اعتمدت على الوسطاء، الأمر الذي أدى إلى الحد كثيرا من قدرة جيشها الأصغر حجما، وإن كان من النخبة المتمرسة، من التدخل المباشر بالقوة كما هو الحال مع تركيا.
الاستراتيجية والتكتيكات التركية لكسر الحصار على طرابلس
وقف إطلاق النار الاسمي الذي روجت له وسائل الإعلام طوال منتصف شهر يناير، ولكن لم يدخل حيز التنفيذ بشكل فعلي على الأرض، ظهر تدريجيًا على أنه وهم وخيال حيث واصل الأتراك حشد أسلحتهم من خلال مطارات الإنزال وموانئ الإنزال دون اعتراض من القوات الجوية للجيش الوطني الليبي، بينما استمرت شحنات الأسلحة الإماراتية إلى شرق ليبيا، لكن على مستوى أقل بكثير من عمليات الانتشار التركية الجديدة. لذلك، بدأ التغيير الرئيسي في فعالية حكومة الوفاق الوطني كقوة مقاتلة بمجرد تولي المخططين العسكريين الأتراك المحنكين، بشكل أو بآخر، مسألة التخطيط لعملية بركان الغضب وتطويرها إلى حملة عسكرية حديثة ومنظمة بشكل عقلاني ومقسمة إلى مراحل منفصلة ذات أهداف ملموسة. علاوة على ذلك، كفل الدعم اللوجستي التركي عدم نفاد الذخيرة أو الإمدادات الأخرى من أيدي المدافعين عن طرابلس.
التباين في الإرادة
لم تظهر الإمارات ولا مصر الرغبة في تقديم الدعم الشامل الذي يمكن أن تقدمه قوة إقليمية كبرى. فكلا البلدين يمتلك عتادًا عسكريًا أكثر تقدمًا نسبيًا من تركيا، على الرغم من افتقارهما إلى المزايا التي اكتسبتها القوات التركية من خلال التفاعل المتكرر مع حلفائها في حلف الناتو. وبشكل عام، كان لدى المصريين والإماراتيين القدرة على ترجيح كفة المعركة لصالح الجيش الوطني الليبي لو كانوا على استعداد لتكريس مواردهم العسكرية المالية والمهنية المشتركة بالكامل. غير أنهم قرروا عدم ضرب أنظمة الدفاع الجوي التركية التي وصلت حديثًا، رغم قدرتهم المؤكدة على ذلك بالتأكيد. وعلى العكس من ذلك، لم يكن لدى مجموعة فاغنر هذه القدرة - وكما أظهرت التطورات في أواخر مايو (عندما تم أرسلت روسيا طائرات مقاتلة إلى ليبيا، لكنها لم تتدخل في القتال لأن روسيا لم تكن تريد أن تظهر لها بصمة واضحة ومباشرة في مجريات الأحداث في ليبيا) - ولم تحصل مجموعة فاغنر ولا سلاح الجو الروسي على "الضوء الأخضر" من الكرملين لاستخدام كامل لقدراتهم بشكل علني. وقد تم تحليل أسباب هذا التباين في الإرادة بين الأتراك من جهة والمصريين والإماراتيين والروس من جهة أخرى في الخلاصة.
"وعلى الرغم من المهام الهامة التي تولاها المرتزقة السوريون، إلا أنهم لم يقلبوا موازين المعركة فعليا، كما لم يفعل طاقم المرتزقة المتنوعين التابع للجيش الوطني الليبي في الأشهر التسعة الأولى من الصراع."
المرتزقة
منذ مايو 2019 تقريبا، استأجرت عملية بركان الغضب عددًا كبيرًا من المرتزقة، بعضهم من تشاد وبعض المتمردين الدارفوريين ، وجاءت أكبر مجموعة منفردة من حركة العدل والمساواة. في المقابل، استخدم الجيش الوطني الليبي قوات الدعم السريع السودانية (أو الجنجاويد) وقوات أخرى للدفاع عن المنشآت النفطية، ومقاتلي التبو الليبيين والمقاتلين التشاديين في الجنوب للدفاع عن الحقول ومهابط الطائرات، والشركات العسكرية الخاصة الروسية للمهام التي تحتاج إلى خبرات تقنية أكثر . كما تم جلب عدد أقل من القوات السورية التابعة لنظام الأسد للقتال إلى جانب الجيش الوطني الليبي، على الرغم من أنهم على الأرجح لم يقاتلوا بالقرب من طرابلس.
في المقابل، بدأت تركيا في نشر المرتزقة المناهضين للأسد من سوريا كقوات برية في وقت مبكر من ديسمبر 2019، مباشرة بعد توقيع الاتفاقات البحرية والعسكرية المشتركة مع حكومة الوفاق الوطني في الشهر السابق. وينتمي معظم هؤلاء المقاتلين إلى "الجيش السوري الحر" الذي تشكل لمواجهة نظام الأسد. وجاءت الغالبية من تشكيلتين وهما فرقة السلطان مراد (التي تتكون جزئياً من التركمان من منطقة حلب ويصنفون أنفسهم على أنهم جماعة "إسلامية") وحركة أحرار الشام (ومعظمهم من إدلب والتي صنفتها الولايات المتحدة على أنها منظمة إرهابية. ). وكان هناك عدد آخر من لواء المعتصم (حلب) وجبهة النصرة (التابعة للقاعدة). وإلى حد كبير، كانت هذه المجموعات مدربة جيدًا وذات خبرة في التعاون مع الدعم القتالي التركي. وكانت نية عملية بركان الغضب هي عدم إشراك هؤلاء المرتزقة السوريين بشكل مباشر في عمليات هجومية كبيرة، ولكن استخدامهم لتوفير قوة المشاة البشرية اللازمة للحفاظ على المناطق واستعادتها عند دعمهم عن طريق المدفعية والغطاء الجوي. وسمحت هذه الطريقة في استخدام المرتزقة السوريين بتنفيذ بعض العمليات الهجومية الحركية من قبل أفراد الميليشيات الليبية، مع الحفاظ على عدد القتلى من المقاتلين الليبيين الموالين لحكومة الوفاق الوطني منخفضًا بشكل مصطنع.
حتى منتصف شهر يناير، تم نشر حوالي 1.000 سوري فقط، لكن هذه الأرقام ارتفعت بسرعة ووصلت إلى 10.000-12.000 في أبريل وأوائل مايو، وبعضهم من الجهاديين الذين يحتمل أن يكونوا متمرسين في القتال والذين أرادت تركيا إخراجهم من سوريا وتركيا. وبعد بدء هذه المرحلة الجديدة من القتال، قُتل نحو 500 مرتزق سوري وجرح أكثر من 2000 بحلول يونيو 2020، ووقعت معظم الإصابات في الأشهر الأولى من تواجد السوريين في طرابلس. بعد العمليات الأولية، لم يشهد المرتزقة معارك مشاة واسعة النطاق، لكنهم كانوا أكثر انخراطًا في الحفاظ على الخطوط الدفاعية وعمليات التطهير وعمليات أخرى أقل بروزا حيث كان الانضباط والموثوقية ضروريين (وهما سمتان لم يكن يتحلى بهما عادة مقاتلو الميليشيات الليبية). وتوترت العلاقات بين بعض ميليشيات طرابلس والسوريين، بدايةً بسبب التحيزات الثقافية الليبية تجاه بلاد الشام - ولاحقًا نتيجة لحالات مضايقة المرتزقة السوريين للمدنيين والتي تم تضخيمها لاحقًا وربما المبالغة فيها على وسائل التواصل الاجتماعي.
القدرات التقنية
على الرغم من المهام الهامة التي تولاها المرتزقة السوريون، إلا أنهم لم يقلبوا موازين المعركة فعليا، كما لم يفعل طاقم المرتزقة المتنوعين التابع للجيش الوطني الليبي في الأشهر التسعة الأولى من الصراع. وبدلاً من ذلك، كان العنصر الحاسم في خطة الحملة التركية هو التحييد الناجح للقوات الجوية التابعة للجيش الوطني الليبي، والتي كانت بمثابة العمود الفقري الأساسي لخطة معركة حفتر وميزته الأولية على قوات حكومة الوفاق الوطني. واعتبارًا من منتصف يناير وما بعد، تم بناء نظام دفاع جوي متعدد الطبقات تابع لحكومة الوفاق الوطني، بما في ذلك العديد من المكونات حول نظام صواريخ أرض جو من طراز HAWK XXI الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، قدمت المدافع التركية المضادة للطائرات ذاتية الدفع من طراز Korkut من عيار 35 ملم دفاعًا جويًا منخفض المستوى يعمل في جميع الأحوال الجوية ضمن مسافة 4 كم. عنصر مهم آخر هو أنظمة الدفاع الجوي المحمولة الأمريكية من طرازStinger والتي تشغلها القوات الخاصة التركية، في حين أن الفرقاطات المحدثة الحاملة للقذائف من فئة Gabya ، التي كانت تابعة للقوات الأمريكية سابقا، وأصبحت تابعة للقوات التركية حاليا، أنشأت نظام إنذار مبكر ونظام دفاع جوي بعيد المدى. وشكل هذا النظام نظامًا فعالًا متعدد الجوانب مضادًا للطائرات (ومضادًا للطائرات بدون طيار) تم تجميعه من مكونات مختلفة على عجل. كما أنه كان الأول من نوعه - حيث تم تشغيله في وسط حرب أهلية من قبل جيش خارجي لهزيمة الطرف الخارجي الراعي للخصم.
وفي خضم كل هذه الأحداث، لم تختر القوات الجوية التابعة للجيش الوطني الليبي بعد 12 يناير العودة إلى سماء طرابلس بقوة، لأن طائراتها النفاثة القديمة والمروحيات والطائرات بدون طيار البطيئة ستكون الآن فريسة سهلة إلى حد ما لنظام الدفاع الجوي التركي المتطور متعدد الطبقات نسبيا. وبعيدًا عن طرابلس، مع حلول عام 2020، كان هناك عدد قليل من الطلعات التي تشنها الطائرات بدون طيار المقاتلة وطائرات الهليكوبتر الهجومية التابعة للجيش الوطني الليبي في منطقتي صبراتة وأبو قرين. وتوقفت هذه الطلعات أيضًا بعد أن تم إسقاط بعضها من قبل الفرقاطات التركية و (ربما) من قبل أنظمة Stinger.
دور الاستخبارات
لذلك، وبعد أنانقلبت موازين السيادة الجوية، كانت المرحلة التالية من خطة المعركة التركية عبارة عن حرب استنزاف غير متكافئة لإضعاف القوات البرية للجيش الوطني الليبي باستخدام نسخة من تكتيكات القط والفأر من خلال وابل من القصف الجوي والمدفعي والتي اتبعها الجيش الوطني الليبي وطبقها ضده. ولتطبيق هذا النهج، كان لا بد من الحصول على معلومات دقيقة حول مواقع قوات حفتر والمدفعية وأنظمة الدفاع الجوي والمراكز اللوجستية والمقرات الرئيسية. وقدمت خدمات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التركية، بما في ذلك استخبارات الإشارات – التي عملت على اعتراض وتحديد مواقع الإشارات الصادرة عن أجهزة الاتصالات والأجهزة الإلكترونية الأخرى في ساحة المعركة - وطائرات الاستطلاع بدون طيار والأقمار الصناعية، المعلومات اللازمة لتحديد الأهداف التي سيتم تدميرها لاحقًا بواسطة المدفعية والطائرات بدون طيار القتالية. وقبل يناير، كان دعم خدمات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع المقدمة من تركيا وقطر من جهة ومصر والإمارات من جهة أخرى عند نفس المستوى تقريبًا. أما الآن، فإن إلقاء تركيا بكامل ثقلها العسكري أدى إلى تغيير الوضع بالكامل مرة أخرى.
"ظل التفوق الجوي العامل المهيمن في تحديد نتيجة معظم العمليات العسكرية على الساحة الليبية. ولعبت الطائرات بدون طيار القتالية التركية دورًا رئيسيًا في ساحة المعركة."
المدفعية والطائرات بدون طيار والرادار
نشرت تركيا على الأقل بطارية واحدة، وربما بطاريتين فيما بعد، للمدفعية الثقيلة من طراز T-155 Fırtına من عيار 155 ملم مع ذخيرة واسعة النطاق دقيقة التوجيه وقاذفات صواريخ من طراز T-122 Sakarya. ومن خلال الدعم الذي يقدمه رادار تحديد مواقع الأسلحة، كانت مهمة هذه الأنظمة الأولى هي قمع وتدمير قدرات مدفعية الجيش الوطني الليبي. وتم تصميم رادار تحديد مواقع الأسلحة لاكتشاف وتعقب قذائف الهاون والمدفعية والصواريخ التي يتم إطلاقها لتحديد مصدرها والرد بنيران البطارية المضادة في غضون 30-60 ثانية.
فوجئ الجيش الوطني الليبي بهذه التحولات السريعة في ديناميكيات المعركة. وبعد تكبده بعض الخسائر الفادحة، أعاد الجيش الوطني الليبي اثنين من مدافع الهاون ذاتية الدفع القديمة من مخزونات الجيش في عهد القذافي من طراز 2S1 من عيار 122 ملم و2S3 من عيار 152 ملم، ربما بمساعدة بعض خبراء الإصلاح والصيانة من مجموعة فاغنر. وكانت البطاريات المجهزة بهذه الأسلحة قادرة في البداية على التحرك إلى موقعها، وإطلاق وابل سريع من حوالي خمس أو ست قذائف، ومغادرة الموقع قبل التعرض للنيران المضادة. ورغم نجاح هذا التكتيك لبعض الوقت في أوائل ربيع عام 2020، فإن الطائرات بدون طيار القتالية قامت في نهاية المطاف بتعقب وتعطيل معظم أسلحة الجيش الوطني الليبي.
ظل التفوق الجوي العامل المهيمن في تحديد نتيجة معظم العمليات العسكرية على الساحة الليبية. ولعبت الطائرات بدون طيار القتالية التركية دورًا رئيسيًا في ساحة المعركة. فطائرة Bayraktar TB2 هي طائرة بدون طيار تزن 630 كغم مع حمولة أسلحة تزن 55 كغم فقط (أي صواريخ وقنابل خفيفة للغاية)، ويتم التحكم فيها بواسطة محطة تحكم أرضية عبر وصلة بيانات خط التسديد. ونظرا لمداها المحدود الذي يصل إلى 150 كيلومترًا، فقد تم تكميل طائرات TB2s بطائرات بدون طيار من طراز Anka-S من صناعة الشركة التركية لصناعات الفضاء، والتي يتم تشغيلها من خلال الاتصالات عبر الأقمار الصناعية وبالتالي لديها نطاق أوسع قادر على تغطية ليبيا بأكملها ونقل حمولة مقدارها 200 كغم5. وتم استخدام طائرات Anka-S بشكل أساسي لتعقب القوافل اللوجستية للجيش الوطني الليبي القادمة من سبها أو الجفرة، في مناطق فزان أو الصحراء الوسطى على التوالي ، والمتجهة إلى ضواحي طرابلس.
بالفعل في عام 2019، تم استخدام الطائرات بدون طيار المصغرة من قبل الجانبين لاستطلاع ساحة المعركة ومراقبة نيران المدفعية. لكن معظمها كان من النماذج التجارية، والتي ثبت أنها غير موثوقة ويسهل التشويش عليها نسبيًا. ومنذ يناير 2020 وما بعد، سلمت تركيا عددًا متزايدًا من النماذج العسكرية إلى عملية بركان الغضب. وقد ثبت أنها مقاومة إلى حد كبير لأساليب التشويش التجارية والعسكرية من طرف الإمارات وروسيا والصين، مما سمح لأجهزة التشويش التركية الأكثر تطورًا بالعمل بحرية ومواجهة الطائرات بدون طيار المصغرة التابعة للجيش الوطني الليبي. وساهمت هذه الديناميكية المتمثلة في زيادة التشويش التركي على الطائرات بدون طيار المصغرة الإماراتية بشكل كبير في زيادة معرفة واطلاع عملية بركان الغضب على الظروف المحيطة وتعزيز فعالية نيران المدفعية، وفي الوقت نفسه القضاء ببطء على قدرات الجيش الوطني الليبي.
قلب الموازين
تم تسليم عدة عشرات من طائرات TB2 وعدد قليل من طائرات Anka-S إلى ليبيا، ويفترض أنه قد تم تشغيلها حصريًا من قبل متخصصين أتراك. في البداية، تم إسقاط بعضها بواسطة أنظمة المدفعية المضادة للطائرات وصواريخ أرض جو Pantsir S-1 ذاتية الدفع روسية الصنع التي قدمتها الإمارات، ولكن مع مرور الوقت، تمكنت تركيا من مواجهة هذا التهديد بنجاح من خلال الاعتماد على قدرات التشويش التي أصبحت غير متكافئة الآن. وحددت أنظمة KORAL للحرب الإلكترونية بعيدة المدى رادارات أنظمة Pantsir وقامت إما بتشويشها للسماح بهجوم لاحق بطائرات بدون طيار قتالية أو حددت بشكل استباقي أنظمة Pantsir لإتاحة الفرصة تدميرها بمدفعية دقيقة طويلة المدى من على مسافة تقارب 50 كم.
من بين جميع التطورات المذكورة أعلاه، كان التغلب على أنظمة Pantsir من أهمها. ففي مايو 2020، قام مشغلو أنظمة Pantsir (بعضهم من أفراد مجموعة فاغنر) بتغيير تكتيكاتهم باستخدام أنظمتهم في الغالب في الوضع الكهروضوئي السلبي، الأمر الذي قلل احتمالية التشويش عليها بواسطة نظام KORAL أو كشفها وتدميرها بواسطة المدفعية. ونتيجة لذلك، تم إسقاط العديد من الطائرات بدون طيار المقاتلة التركية بعد ذلك، ولكن كان الوقت قد فات بالفعل ليكون لها تأثير حقيقي على ديناميكيات المعركة. وتم إخراج ما تبقى من أنظمة Pantsir من العمل أو الاستيلاء عليها أو اعتبارها غير هامة من قبل القوات البرية المتقدمة لعملية بركان الغضب.
بعد تحييد سلاح الجو التابع للجيش الوطني الليبي ثم التدمير اللاحق لقدرته على الاستخدام الفعال للبطاريات المضادة للطائرات، هيأت تكتيكات حرب الاستنزاف التي اتبعتها تركيا وحكومة الوفاق الوطني وعملية بركان الغضب الظروف للمرحلة الأخيرة من خطة المعركة، وهي كسر حصار جنوب طرابلس وطرد قوات حفتر المتبقية من إقليم طرابلس. ولم يشارك السوريون في التقدم السريع على طول الساحل باتجاه تونس للاستيلاء على صبراتة وصرمان (القواعد البرية السابقة للجيش الوطني الليبي) في أبريل، ولا احتلال قاعدة الوطية الجوية (التي كان يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي سابقًا) في مايو، ولا في معركة ترهونة في يونيو (معقل أهم حلفاء الجيش الوطني الليبي في غرب ليبيا). وأدت هذه التحركات مجتمعة إلى إسدال الستارة على الحرب من أجل طرابلس.
سقطت صبراتة وصرمان والوطية وترهونة جميعًا دون وقوع إصابات كبيرة. ومع التفوق الجوي وتعرض دفاعات الجيش الوطني الليبي للقصف المدفعي أو الجوي المستمر، هرب عناصر الجيش الوطني الليبي ببساطة في استمرار لنمط ميز الحرب الليبية منذ عام 2011.
الاستنتاج: الطريقة الليبية الفريدة في الحرب والملاحظات العسكرية القابلة للتعميم
لقد أظهرنا أن الحصيلة النهائية للحرب على طرابلس لم تتشكل ملامحها بشكل كبير بمساهمات المرتزقة الروس أو السوريين أو غيرهم. فقدرة القوات البرية الليبية أو المرتزقة على احتلال الأراضي أو استعادة السيطرة عليها كانت ممكنة فقط بتحقيق الهيمنة الجوية قبل ذلك. وقد يُفهم هذا على أنه نابع جزئيًا من الطريقة الليبية الفريدة في الحرب، والتي ظهرت طوال حروب خلافة ما بعد القذافي بأنها تسعى بشدة لتجنب وقوع الضحايا (مع بعض الاستثناءات المتمثلة في تجاهل الضحايا المدنيين) وعادة ما تنطوي على رتل من القوات التي تتقدم في شاحنات صغيرة ثم تتراجع بسرعة في حالة من الفوضى عندما يتم تطويقها أو تتعرض لإطلاق النار، أو حتى قبل إطلاق أي نيران من الخصم أو حدوث أي مناورة أرضية، إذا رأوا أن العدو يتفوق عليهم من حيث التسليح أو الهيمنة الجوية. ويعد التحكم في الأجزاء الرئيسية من البنية التحتية للنقل - الطرق السريعة والمطارات ومفترقات الطرق الاستراتيجي - أمرًا ضروريًا لهذا النوع من الحرب ولا يمكن السيطرة على هذه المواقع ضد عدو يمكنه فرض تفوق جوي على المفاصل الرئيسية للبنية التحتية للنقل وبالتالي إجبار قوات الخصم على الأرض على الهروب.
خلال عام 2019، أتاحت طريقة الحرب الليبية هذه للجيش الوطني الليبي تحقيق مكاسب معينة حول جنوب طرابلس بسبب تفوقه الجوي. ثم ابتداءً من منتصف يناير 2020 وما بعد ذلك، تباينت مستويات القدرات العسكرية للأطراف المتحاربة بسرعة. وكانت المستويات المتزايدة باستمرار لقدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التركية وقدرات القوة الجوية هي العناصر الحاسمة في حرب استنزاف غير متكافئة. ومنذ شهر مارس، كان من الواضح أن الجيش الوطني الليبي سيهزم في النهاية، إذا لم يتلق على الفور دعمًا خارجيًا كبيرًا للقضاء على الدفاعات الجوية التركية التي أوقفت قدراته الجوية. لذلك، ومع تزايد التفوق الجوي التركي وتدميره لمواقع الجيش الوطني الليبي وعدم زيادة الدعم المقدم للجيش الوطني الليبي بشكل كبير، كان من المحتم أيضًا أن يتراجع المقاتلون في صفوف الجيش الوطني الليبي في النهاية إلى شرق ليبيا.
وكان المرشحون الثلاثة المحتملون لتزويد الجيش الوطني الليبي بالقدرات المطلوبة هم مصر وروسيا والإمارات. لكن مصر لم تكن راضية عن طموح حفتر بالاستيلاء على طرابلس بالقوة. وكانت تدرك أيضًا أن الجزائر لن تقبل أبدًا باشتباك عسكري مفتوح في إقليم طرابلس وأن أي محاولات لذلك ستؤدي على الأرجح إلى رد. لذلك لم يتحقق التدخل المصري المباشر. وتتمثل المصالح الأمنية الحيوية لمصر في ليبيا في إبعاد القوات التركية والميليشيات الإسلامية الليبية المارقة عن الحدود المصرية، بشكل خاص، وتعطيل قدرتها على العمل في برقة بشكل عام. ولم تكن القاهرة بحاجة إلى انتصار حفتر في الحرب من أجل طرابلس لتلبية هذه المتطلبات. وقد تم التعبير عن ذلك بشكل فعلي من خلال إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن "خط أحمر" حول سرت - وأن تجاوزه من قبل تركيا أو الميليشيات الليبية التابعة لها، سيؤدي ذلك إلى تدخل مصري حاسم.
كانت أهداف روسيا في ليبيا هي تعزيز مكانتها الإقليمية كميسر دبلوماسي، والحصول على عقود إنشاء البنية التحتية وتحصيل مدفوعات متأخرة وتقويض الهيمنة الغربية والأمريكية على نطاق أوسع مع تعزيز أشكال انعدام الأمن التي توقف إنتاج النفط الخام. وقد اتبعت موسكو نهجا تقليديا في ذلك من خلال استراتيجية مشاركة مزدوجة، حيث دعمت في المقام الأول الجيش الوطني الليبي، لكنها حاولت التوفيق جزئيًا بين حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي من خلال وزارتي الخارجية والدفاع على التوالي. ومع ذلك، في وقت ما من عام 2019، تم التخلي مؤقتًا عن هذا التوازن، وألقت موسكو بثقلها وراء هجوم حفتر على الرغم من عدم استشارته لها في قرار إطلاق هذا الهجوم.
وبالرغم من هذا التطور، فمن المهم التأكيد على أن دعم روسيا لحفتر عادة ما يكون مبالغًا فيه. فقد ساعدته موسكو في الحصول على سيطرة أكبر على المناطق ورفعت من مكانته فقط بالقدر الذي اعتقد الروس أنه سيوفر لهم نفوذًا كافياً وفرصة للتحكيم في تسوية تفاوضية، وليس لأنهم يؤمنون بأنه سيحقق نصرًا عسكريًا صريحًا. فالروس لا يؤيدون حفتر دون قيد أو شرط طمعا في التحالف مع حفتر بحد ذاته، ولكن من منطلق الرغبة في تحقيق هيمنتهم على «ملف ليبيا» ، للتوسط في حل يناسبهم. وبالنسبة لروسيا، فإن دعمها لهجوم حفتر على طرابلس كان منخفض التكلفة مالياً وسياسياً: فلم تفرض الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي عقوبات انتقامية خصوصا كرد على الإجراءات الروسية في ليبيا، في حين أن مرتزقة مجموعة فاغنر الذين نشرتهم فإن الإمارات على الأرجح هي من تحمل أجورهم واستخدمتهم روسيا كأداة جيوسياسيةيمكنها أن تحافظ على قدر ضئيل من إنكار موسكو المعقول لتدخلها في الشأن الليبي.
بالنسبة للإماراتيين، كانت الحسابات مختلفة قليلاً. فقد كانوا أقل اهتمامًا من المصريين أو الروس بالنتائج الاستراتيجية أو المالية أو الأمنية. وكانت رغبتهم أكثر أيديولوجية وطويلة الأمد وهي منع نشوء دولة ليبية فوضوية- ربما دولة إسلامية أو ديمقراطية - يمكن أن يكون لها آثار ممتدة على المنطقة بأكملها. فالإمارات في الأساس لاعب يحب الوضع الراهن ولا يحتاج إلى قلب النظام الحالي بل إلى الحفاظ على مكانته العالمية كلاعب يحظى بالاحترام ويرتبط بعلاقات مالية ودبلوماسية مع جميع القوى العالمية الكبرى. والتصعيد العسكري العلني في ليبيا لمواجهة تركيا كان من شأنه أن يضع الإمارات في مصافي الدولة المارقة.
على النقيض من ذلك، كانت المصالح التركية في غرب ليبيا ذات طبيعة وجودية أكثر بكثير من المصالح الروسية أو المصرية أو حتى الإماراتية. ففي ظل عزلة متزايد في شرق البحر الأبيض المتوسط واقتصاد متراجع، وفرت الساحة الليبية للمخططين الاستراتيجيين الأتراك القدرة على إنعاش مواقعهم الجيوستراتيجية بمفردهم، مع احتمال تقديم مزايا اقتصادية كبيرة على المدى المتوسط في شكل مدفوعات متأخرة بعشرات المليارات من الدولارات من عقود البناء، والاكتشافات المحتملة للغاز في شرق المتوسط، والحفاظ على علاقة فريدة طويلة الأمد مع مصرف ليبيا المركزي، مما يجعل إسطنبول المركز الرئيسي لمجموعة كاملة من الخدمات المالية المشروعة وغير المشروعة المرتبطة بالاقتصاد الليبي.
بسبب مصالحهم غير المتكافئة في غرب ليبيا، قرر الأتراك تقديم قدرات عسكرية غير متكافئة. فكدولة تابعة لحلف الناتو تتمتع بسنوات من الخبرة في تدريب وتنظيم الميليشيات السورية وتوفير الدفاعات الجوية ضد نظام الأسد المدعوم من روسيا، تمتلك تركيا القدرات التقنية والاستراتيجية المطلوبة. وعند النظر إلى الوضع برمته، فإن نجاح تركيا في تحطيم التفوق الجوي السابق للجيش الوطني الليبي يقدم بعض الدروس الواضحة للصراعات العالمية الأخرى في عشرينيات القرن الحالي:
- لم تعد المعايير الدولية ولا حتى قرارات الأمم المتحدة قادرة على منع الإدخال غير المقيد لأنظمة الأسلحة المتطورة وللخبراء في حروب أهلية كانت سابقا متدنية الحدة ومتدنية التقنية.
- عندما يميل أطراف الصراع على وجه الخصوص إلى تجنب وقوع الضحايا أو يقاتلون في مساحات مفتوحة إلى حد كبير من التضاريس شبه الصحراوية، يمكن أن يوفر التفوق الجوي العامل الحاسم في الحروب الأهلية المعاصرة متدنية الحدة.
- من غير المرجح أن تكسب قوات المرتزقة البرية حروبا أهلية في الحالات التي يفتقر فيها السكان المحليون إلى الإرادة المطلوبة والاستعداد للموت أثناء القتال، أو يفتقرون إلى القدرة على القتال بفعالية. ومن المرجح أن تعاني قوات المرتزقة من تجنب وقوع الضحايا وأن تثير غضب السكان المحليين بسبب تجاوزاتهم. علاوة على ذلك، فإن أي نجاح للمرتزقة في القتال البري يمكن أن يصبح نجاحا دعائيا لخصومهم.
- في السيناريوهات الشبيهة بليبيا التي تمتد فيها ساحة المعركة على طول خط ساحلي شاسع، يمكن لفرقاطات الدفاع الجوي أن توفر بسهولة نظام إنذار مبكر مرن ودفاعًا جويًا للمنطقة دون وجود خطر حقيقي على السفن.
- أظهرت الحرب من أجل طرابلس أن نتيجة النزاع يمكن أن تصبح حتمية بمجرد أن يكون رعاة أحد الأطراف مستعدين للتفكير في تصعيد يتجاوز الحدود التي يتقبلها خصومه، مع مراوغة المجتمع الدولي أو افتقاره للعزم على معاقبة التصعيد. وفي الحالة الليبية، على الرغم من نظرة البعض إلى الجيش الوطني الليبي ورعاته وهم مصر والإمارات وفرنسا وروسيا، باعتبارهم المعتدين في الصراع، إلا أنهم أظهروا لاحقًا وبوضوح عدم استعدادهم للتصعيد إلى أجل غير مسمى. وامتلكت تركيا القدرات العسكرية المطلوبة للانتصار ثم أصبحت مستعدة لتوظيفها نتيجة للحسابات الجيوسياسية التي دخلت مسرح الأحداث منذ أواخر عام 2019 وما بعد ذلك. وكل هذه الأعمال - من العدوان الأولي إلى التصعيد اللاحق - حدثت في نفس الوقت الذي ادعى فيه جميع الرعاة أنهم يحترمون ظاهريا حظر الأسلحة.
- إذا نأت إحدى الجهات المعنية العالمية الرئيسية، مثل الاتحاد الأوروبي ، بنفسها عن نزاع في جوارها - سواء لأسباب قانونية أو أخلاقية - فعليها فيما بعد أن تتعلم كيفية التعايش مع النتائج التي سيتمخض عنها هذا النزاع. وعلى الرغم من أن العديد من الدول الأوروبية كانت منخرطة جزئيًا على المستويين العسكري والدبلوماسي في الحرب الأهلية الليبية، ولا سيما فرنسا وإيطاليا واليونان، إلا أن الاتحاد الأوروبي كمؤسسة لم يجد طريقة متسقة أو فعالة لتركه بصمته والتأثير على الأزمة في ليبيا. في الواقع، ونظرًا للطبيعة العميقة لمصالح الاتحاد الأوروبي المعرضة للخطر والقرب من أوروبا، كان الاتحاد الأوروبي سلبيًا بشكل ملحوظ طوال الحرب من أجل طرابلس. ويواجه الاتحاد الأوروبي حاليا تحديا يتمثل في إيجاد طريقة لتخفيف الأثر السلبي للوجود التركي والروسي المستمر في ليبيا. وكل ما سبق يعني أنه ونتيجة الضعف الأولي في اتخاذ القرارات الحاسمة، فإن صانعي القرار في الاتحاد الأوروبي سيواجهون الآن خيارات أكثر صعوبة مفروضة عليهم.
باختصار، كانت الحرب من أجل طرابلس التي انتهت مؤخرًا هي الأولى من نوع جديد من الصراعات العسكرية. ومن المؤكد أن الطريقة التي نشرت بها تركيا الطائرات بدون طيار والقدرات المضادة للطائرات بشكل حاسم تستحق الدراسة ومن المحتمل تقليدها في ساحات الأحداث الأخرى. ومع ذلك، فإن دفاع الأتراك الناجح عن طرابلس لا يعني أبدًا أنهم قادرون على غزو معقل الجيش الوطني الليبي في شرق ليبيا أو يريدون مواجهة رد الفعل السياسي العالمي الناجم عن ذلك، حتى لو استطاعوا ذلك. وعلى مدار الأشهر الماضية، ترك نظامKORAL للحرب الإلكترونية وطائرات TB2s وAnka-S والطائرات بدون طيار المصغرة بصماتهم على مستقبل ليبيا وأظهروا جوانب جديدة لكيفية استخدام القوة الجوية في الحروب غير الحكومية والخارجية في أواسط القرن الحالي. لقد آن الأوان بالنسبة للمجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، للبدء في معالجة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الصراع في ليبيا، وخاصة النظام الاقتصادي المتهاوي والمهمل.
ترجمة: محمد صالح عياد
تمت الترجمة برعاية: جايسون باك
الملاحظات النهائية
1. يعني القتل الناعم استخدام الأنظمة الدفاعية المضادة لتشويش وتعطيل قذائف العدو الموجهة؛ أما القتل العنيف فيعني اعتراض وتدمير قذائف العدو قبل إصابتها للهدف
2. تنص المادة 1، البند 4 من اتفاق الصخيرات لعام 2015 (المعروف أيضًا باسم الاتفاق السياسي الليبي) على ما يلي: " مدة ولاية حكومة الوفاق الوطني عام واحد يبدأ من تاريخ نيلها ثقة مجلس النواب. وتنص المادة 3 مرة أخرى على أن حكومة الوفاق الوطني بحاجة إلى نيل ثقة مجلس النواب. ونظرًا لعدم حصول أي مما سبق، فإن الأساس القانوني لحكومة الوفاق الوطني في القانون الدولي لا يزال غير مؤكد. ومع ذلك، اعتبرت جميع الحكومات الغربية ومعظم الحكومات الدولية والإقليمية حكومة الوفاق الوطني (من مارس 2016 إلى أكتوبر 2020) "الحكومة السيادية لدولة ليبيا" وتمت الإشارة إليها في قرارات الأمم المتحدة والتشريعات والبيانات الحكومية الغربية الرسمية باسم "الحكومة المعترف بها دوليًا". ويختلف الكثيرون في ليبيا وخارجها مع نهج الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تجاه حكومة الوفاق الوطني من منظور قانوني وشرعي، بينما يعتبر آخرون أن حكومة الوفاق الوطني قد تشكلت بشكل شرعي استنادا إلى اتفاق الصخيرات وأن مجلس النواب هو الذي تصرف بشكل غير قانوني بعدم الموافقة على قائمة أعضاء ومهام حكومته. لمزيد من المعلومات الأساسية حول هذا الموضوع المعقد للغاية وكيف يؤثر ذلك حاليًا على المحاولات الدبلوماسية لحل النزاع ، يرجى الرجوع إلى:
Zaptia, Sami, “LPA remains sole internationally recognized political framework in Libya: international community,” Libya Herald, April 29, 2020, https://www.libyaherald.com/2020/04/29/lpa-remains-sole-internationally…; Pack, Jason, “How to End Libya’s War,” The New York Times, Jan. 21, 2015, https://www.nytimes.com/2015/01/22/opinion/how-to-end-libyas-war.html; International Crisis Group, “The Libyan Political Agreement: Time for a Reset”, REPORT 170 / MIDDLE EAST & NORTH AFRICA, 4 NOVEMBER 2016
https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/north-africa/libya… Maggur, Azza, “Leading Constitutional Lawyer Azza Maghur Evaluates the Next “Plan” for Libya,” Al Marsad, September 27, 2020, https://almarsad.co/en/2020/09/27/constitutional-lawyer-azza-maghur-eva…
3. على الرغم من أن تركيز هذه الورقة ينصب على المساعدة العسكرية التي تقدمها تركيا لعملية بركان الغضب لتغيير قواعد اللعبة بدءًا من يناير 2020، فمن الأهمية بمكان ملاحظة أنه خلال عام 2019، عينت أنقرة بعض المستشارين وسلمت عددًا من الطائرات بدون طيار والمركبات المدرعة والذخيرة وبعض أنظمة الدفاع الجوي المحمولة الحديثة. وعلى الرغم من أنها تسببت ببعض المشكلات للجيش الوطني الليبي وأضافت إلى القدرات الميدانية لعملية بركان الغضب، إلا أنها لم تكن كافية لكسر حصار الجيش الوطني الليبي على طرابلس.
4. علاوة على ذلك، كانت بعض جيوش الحكومات الغربية قلقة أيضًا بشأن المعلومات الاستخباراتية المتعلقة ببعض الإسلاميين المتطرفين الذين يقاتلون في صفوف عملية بركان الغضب . وكانوا يخشون فضيحة أخرى شبيهة بما حدث عندما استفاد الجهاديون في سوريا في الفترة بين عامي 2013 و2017 أو في ليبيا بين عامي 2011 و2015 بشكل غير مباشر من التسليح والتدريب اللذان قدمهما الغرب.
5. عادة ما تطير الطائرات بدون طيار التركية من الطراز العسكري فوق 2000 متر لتجنب نيران المدفعية المضادة للطائرات من عيار 23 ملم. وبعد تكبدها بعض الخسائر الفادحة في خريف عام 2019 حيث لم تتمتع حينها بالتفوق الجوي، حسنت تركيا الطريقة التي كانت تشغل بها طائرات TB2، وأوجدت نهجًا قائمًا على "الترحيل" لمساعدة أسطول الطائرات بدون طيار على العمل كوحدة واحدة. وبينما ظلت مصراتة ومطار معيتيقة في طرابلس هي القواعد الرئيسية للطائرات بدون طيار، تم استخدام العديد من مهابط الإقلاع والهبوط الأخرى وشبكة من "محطات الترحيل" لتوسيع منطقة عمل أسطول الطائرات بدون طيار. وتم تخزين طائرات TB2s في مواقع نائية ونقلها إلى مهابط الإقلاع بالشاحنات، حيث يتم تسليحها ومن ثم تقلع في غضون دقائق لجعل الأمر أكثر صعوبة على الجيش الوطني الليبي للقضاء عليها على الأرض من خلال قصف مهابط الطائرات.