في 8 أغسطس/آب، سلَّم وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، عبر نظيره السعودي، دعوة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لحضور "قمة" لدول جوار العراق على مستوى القادة، والتي ستُعقد في نهاية هذا الشهر. في اليوم نفسه، وجَّه دعوة أخرى إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. لا شك أن الفكرة طموحة والصورة الأولى التي تتبادر إلى الذهن هي الاحتمال غير المرجح أن يجلس الملك سلمان والرئيس الإيراني الجديد المتشدد إبراهيم رئيسي، على جانبي الطاولة نفسها في بغداد.

لكن أحلام بغداد الوردية بأن تصبح وسيطًا إقليميًا مؤثرًا يبدو أنها تتجاهل حقيقتين لا يمكن إغفالهما: السياسة الداخلية الهشة في العراق جعلت منه ساحة معركة للقوى الإقليمية المتحاربة، والظروف الحالية الأوسع نطاقًا لا تسمح بالتقارب بين المملكة السعودية والجمهورية الإسلامية. ففي 3 أغسطس/آب، بينما كان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يؤيد السيد رئيسي في حملته الانتخابية، كان هناك أشخاص يتكلمون اللغة الفارسية يحاولون اختطاف ناقلة نفط بعد أن صعدوا عليها. جاء ذلك بعد أقل من أسبوع من هجوم مشتبه به بطائرة مُسيّرة على ناقلة النفط "ميرسر ستريت" في خليج عُمان والذي أسفر عن مقتل اثنين من أفراد الطاقم أحدهما يحمل الجنسية الرومانية والآخر بريطاني. وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يقول إن الولايات المتحدة "واثقة من أن إيران هي من نفذت" الهجوم، وهو ادعاء تنفيه طهران.

ولكن يُحسب للعراق أنه كان يحاول العمل كجسر بين الخصمين الخليجيين، حيث أكد الرئيس برهم صالح التقارير التي كانت الفاينانشال تايمز أول من ينشرها عن أن الإيرانيين والسعوديين التقوا "أكثر من مرة" وجهًا لوجه في بغداد. وقد أكدت طهران والرياض المحادثات. وبينما تم التأكيد على هذه الاجتماعات لتضخيم الدور الإقليمي للقادة العراقيين أمام الجمهور، فإن الدعوات الجديدة للقادة الإقليميين تجعل القضية تتجاوز حد الاستهلاك المحلي.

فقد أكد رئيسي استعداد حكومته لتحسين العلاقات مع جيران إيران الإقليميين. وأثناء حملته الانتخابية، أظهر الرئيس القادم انفتاحًا على الحوار مع السعودية، قائلًا: "نحن مستعدون لإعادة فتح السفارات". وحاليًا يقوم رئيسي بتشكيل حكومته ومن المتوقع أن تتضمن العديد من الأسماء من التيار المحافظ، لكن الاستراتيجية التي ستتعامل بها هذه الحكومة مع المنطقة لم تتضح بعد. فهل ستستمر في دعم الجهات الفاعلة بالوكالة للضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج لتقديم تنازلات؟ أم أنها ستشرع في حوار مباشر مع دول الخليج على أمل تقليل مخاوفها من نتيجة المحادثات النووية في فيينا؟ لعل الوقت والسياسة وكيفية انتقاء رئيسي لأعضاء الحكومة هي جميعًا ما ستخبرنا.

الحوار في بغداد – وإن كان غير مرجح – من شأنه أن يساعد في دعم السيناريو الأخير. فمنذ رئاسة حيدر العبادي للوزراء، طور العراق علاقات أوثق مع السعودية ودول الخليج الأخرى التي تعتمد إلى حد كبير على المصالح الاقتصادية المتنامية. إذ ظلت بغداد تدعم قيادة الرياض لمجموعة أوبك بلس (OPEC+)، وتعقد اجتماعات رفيعة المستوى من خلال مجلس تنسيق مشترك وتأمل بفارغ الصبر أن يستثمر السعوديون في العراق. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي تُولد من جديد بينما تضع نصب عينيها الانفاق المنضبط والتركيز القوي على العائد من الاستثمارات، فإن السعوديين يأخذون وقتهم في تحويل الوعود إلى تمويل فعلي نظرًا للتعقيدات والمخاطر المرتبطة بالتوسع في الأعمال الاقتصادية في مناطق تعتبر بمثابة الفناء الخلفي لإيران. إذ لا يزال المذاق المر لخسائر السعودية في لبنان باقيًا. وفي طهران، لن ينظر صقور رئيسي القدامى – الجدد بشكل إيجابي إلى كاظمي المؤيد للولايات المتحدة. وبالأحرى، فسيكون هدف سياستهم الأولى في العراق هو دعم حلفائهم المحليين ومساعدتهم على الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

ببساطة، يحاول العراق أن يظهر بأكبر من حجمه الحقيقي، لكن توقيت هذه القمة الجديدة يشير إلى أنها مجرد حيلة علاقات عامة في اللحظة الأخيرة. يأتي ذلك عقب اختتام قمة أخرى في واشنطن الشهر الماضي عندما اتفق العراق والولايات المتحدة على تحويل تركيز القوات الأمريكية في البلاد من القتال إلى التدريب. يبدو أن كلا الخطوتين يهدفان إلى دعم محاولة أخيرة لولاية ثانية لرئيس الوزراء، كما يتكهن البعض في بغداد.

من المؤكد أن العمل نحو المصالحة الإقليمية يستحق الثناء، لكن هذه مهمة شاقة للغاية حتى بالنسبة لعراق مستقل وذو سيادة حقًا. أما بالنسبة إلى الحكومة التي تفصلها 62 يومًا عن أن تصبح مؤقتة بشكل قانوني، فيجب أن يكون التركيز على المهمة الأساسية التي تولتها هذه الحكومة الانتقالية عندما تشكلت في مايو 2020: تأمين وضمان انتخابات برلمانية حرة ونزيهة في أكتوبر.
 

Read in English


The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.