هذا هو الجزء الأخير من سلسلة مكونة من ثلاثة أجزاء
عندما توفي آية الله روح الله الخميني، مؤسس جمهورية إيران الإسلامية، عن عمر يناهز 89 عامًا، تمتع هو والنظام الذي أسسه بدعم معظم رجال الدين رفيعي المستوى في البلاد.
لكن خليفته، المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 82 عامًا، يواجه وضعًا مختلفًا للغاية. فمن الواضح أن معظم كبار رجال الدين لا يؤيدونه، وقد تسبب "انحراف" الجيل الجديد من رجال الدين في مخاوف متزايدة داخل النظام.
تكوين المراجع الدينية
على الرغم من الشكوك القوية حول مستواه التعليمي، فإن يعتبر آية الله خامنئي مرجعًا بشكل رسمي. المرجع هو أعلى لقب في الحوزات العلمية الشيعية، وهو يشير إلى الفقيه المؤهل الذي له سلطة إصدار فتوى أو حكم رسمي في الأمور الدينية. ومن خلال عقد دروس دينية في طهران، يقوم خامنئي بتدريب مجموعة مختارة بعناية من رجال الدين لشغل مناصب حكومية حساسة في المستقبل. هذه الدروس الدينية مهمة لصورة خامنئي كمرجع لأنه من الضروري للمرجع أن يعقد شخصيًا دورات دينية متقدمة لطلابه.
يبدو أن عددًا قليلاً فقط من المرجعيات يدعمون المرشد الأعلى بالثناء عليه أو تأييد آرائه من حين لآخر. في الواقع، حسين نوري الهمداني وناصر مكارم الشيرازي هما وحدهما من آيات الله العظمى الذين يدافعون عن خامنئي أو مواقفه بانتظام، بينما يسانده محمد علي العلوي الكركاني وجعفر السبحاني من وقت لآخر.
عبد الله جوادي أمولي هو مرجع آخر لا يزال يدعم المرشد الأعلى، على الرغم من أن انتخابات عام 2009 المثيرة للجدل تسببت في شقاق بين آية الله هذا الموالي لهاشمي رفسنجاني وبين خامنئي، وحتى الآن لم يتم إصلاح هذا الشقاق بالكامل.
فيما عدا هؤلاء الشخصيات المذكورة أعلاه، فإن أبرز المراجع في إيران هم رجال دين تقليديون لا يدعمون آية الله خامنئي وسياساته. وقد ظلوا لعقد من الزمان على الأقل، يرفضون بشكل عام دعم المرشد الأعلى في المنعطفات الحاسمة. ومن هؤلاء حسين الوحيد الخراساني ولطف الله الصافي الكلبايكاني وموسى الشبيري الزنجاني وصادق حسيني الشيرازي. وهنا ينبغي أن نضيف إلى هؤلاء المراجع آية الله علي السيستاني، وهو رغم كونه المرجع الأكثر نفوذًا في العراق - وعلى الصعيد الدولي - لكن موطنه الأصلي هو إيران كما أن له أتباعًا كثيرين في إيران. يتخذ السيستاني مواقف مختلفة عن خامنئي، لكنه يتردد عادة في التعليق على القضايا السياسية، لا سيما تلك المتعلقة بإيران. ينتقد رجال الدين هؤلاء السياسات الحكومية الإيرانية بدرجات متفاوتة، لكنهم يمتنعون عادةً عن الإدلاء بتعليقات سياسية ويدعون إلى الفصل بين الدين والحكومة.
إلى جانب آيات الله المذكورين أعلاه، هناك مراجع آخرون اعتادوا أن يكونوا رجال دين ثوريين، لكنهم دعموا خلال العقدين الماضيين ما يسمى بالفصيل الإصلاحي في إيران؛ وهم لا يحظون بثقة المرشد الأعلى على الإطلاق. فمثلًا أسد الله بيات زنجاني وعلي محمد دستغيب ومحمد علي كرامي هم جميعًا نماذج لرجال الدين الذين ينتقدون سياسات الحكومة من وقت لآخر لكنهم يتجنبون الانتقاد المباشر لخامنئي.
وتجدر الإشارة إلى أن أبرز المراجع المنتقدين للحكومة، ممن كانوا رجال دين ثوريين سابقًا، قد وافتهم المنية في العقد الماضي أو نحو ذلك. وكان أهم هؤلاء آية الله حسين علي منتظري، الذي كان خليفة آية الله الخميني، لكنه أطيح به في عام 1988 بعد انتقاده لسجل الدولة في مجال حقوق الإنسان. ثم أصبح من أشد منتقدي النظام خلال قيادة آية الله خامنئي وتوفي في عام 2009. مرجع آخر ينتقد آراء المرشد الأعلى هو يوسف الصانعي، المدعي العام في عهد آية الله الخميني. وقد توفي في عام 2020. وكذلك عبد الكريم موسوي الأردبيلي، رئيس المحكمة العليا في عهد آية الله الخميني، كان مرجعًا آخر اختلف مع آراء آية الله خامنئي لكنه امتنع عن النقد العلني؛ وتوفي عام 2016.
على الرغم من وفاة المراجع الثلاثة المذكورة أعلاه، إلا أن لديهم جميعًا طلابًا ما زالوا نشطين في الحوزات. وهذا ينطبق بشكل خاص على آية الله منتظري، الذي كان يُنظر إليه على أنه المرجع الأعلى مرتبة في إيران.
قامت الحكومة الإيرانية والمؤسسات الدينية التابعة للمرشد الأعلى بتدريب عشرات الآلاف من رجال الدين على مدى العقود الماضية لإعدادهم للمناصب الحكومية. علاوة على ذلك، تتلقى العشرات من الحوزات تمويلًا حكوميًا سخيًا لتدريب رجال الدين الشباب بما يتماشى مع آراء المرشد الأعلى.
ومع ذلك، لا ينبغي أن ننسى أنه وفقًا للتقاليد في الحوزات الشيعية، فإن الوصول إلى أعلى المستويات من رجال الدين يتطلب حضور دورات المرجعية. نتيجة لذلك، وبالنظر إلى الوضع الحالي للمراجع في إيران، لن يتم تدريب العديد من رجال الدين المستقبليين على النحو الذي يفضله آية الله خامنئي.
"ردة" رجال الدين
في السنوات الأخيرة، أعرب المرشد الأعلى الإيراني ورفاقه مرارًا وتكرارًا عن قلقهم بشأن انتشار العلمانية في الحوزات (انظر الجزء الأول من هذه السلسلة)، لا سيما فكرة الفصل بين الدين والسياسة. كان الإيمان بهذا المفهوم سائدًا بين مراجع قم والنجف قبل ثورة 1979، لكن آية الله الخميني تحدى ذلك واقترح الفكرة البديلة القائمة على الإسلام السياسي أو الإسلام الثوري، والتي أصبحت الأيديولوجية الرسمية للجمهورية الإسلامية.
جزء من مخاوف السلطات الحكومية بشأن "علمنة" الحوزات يتعلق بالجيل الجديد من رجال الدين الذين ينأون بأنفسهم عن مدونة السلوك للجمهورية الإسلامية. يتزايد هذا القلق أيضًا بين رجال الدين التقليديين - حتى أولئك الذين يختلفون مع النظام الإيراني.
في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال، انتقدت السلطات الدينية الإيرانية مرارًا وتكرارًا رجال الدين الذين يرفضون ارتداء الزي الديني في الأماكن العامة. وهذا متجذر في حقيقة أن عامة الناس ممن هم غير راضين عن الأوضاع في إيران يعتبرون رجال الدين ممثلين للدولة. ونتيجة لذلك، كثيرًا ما يتم انتقاد رجال الدين هؤلاء أو السخرية منهم أو إهانتهم في الأماكن العامة. على مدى السنوات القليلة الماضية، تم الإبلاغ عن العديد من حالات الاعتداء الجسدي على رجال الدين في مدن مختلفة من إيران. عادة ما يكون لرجال الدين في المناصب الحكومية سائقون أو حتى حراس شخصيون كما أنهم يواجهون ضغطًا اجتماعيًا أقل، لكن في المقابل، طلاب الحوزات ورجال الدين العاديين يضطرون إلى اتخاذ تدابير وقائية لحماية أنفسهم في الأماكن العامة.
أثار الحضور المتزايد لجيل جديد من طلاب الحوزات على وسائل التواصل الاجتماعي مخاوف بين رجال الدين والمسؤولين الحكوميين. حيث يسعى العديد من رجال الدين هؤلاء إلى باتخاذ لأنفسهم صورة حديثة لاجتذاب الجمهور الافتراضي، مما قد ينتهك أحيانًا التقاليد الدينية للحوزة. على سبيل المثال، يكتب بعض رجال الدين عن عواطفهم الشخصية ومشاعرهم الرومانسية أو ربما يشاركون النكات المبتذلة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو أمر غير مقبول في نظر السلطات الدينية.
أخيرًا، ينجذب بعض رجال الدين الشباب إلى الأفكار السياسية والفلسفية والثقافية الغربية ويعبرون عن آرائهم علانية. يتعاطف رجال الدين هؤلاء ضمنيًا أو بشكل صريح مع القيم الغربية، بل إن البعض منهم يؤيد العلمانية السياسية بمعنى الفصل بين الدين والحكومة.
في تحذير من انتشار الأفكار الغربية في الحوزات، أشار عبد الله الحاج صادقي، ممثل المرشد الأعلى في هيئة الحرس الثوري الإسلامي، في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إلى ظهور نوع من "الردة" بين الثوار السابقين الذين آمنوا أن "تيار مارتن لوثر الإصلاحي وإصلاح الدين ضروريان" في الإسلام. وشدد على أن "الأعداء ... يسعون إلى الترويج لدين علماني ... واليوم نرى كيف يكتبون المقالات وينشرون الكتب ويتحدثون بصراحة لإحياء العلمانية، بل إنهم يسعون إلى الترويج لدين غير ثوري حتى في الحوزة".
العديد من هؤلاء الذين يسمون برجال الدين المرتدين مقربون من الإصلاحيين ويخضعون لمراقبة الأجهزة الأمنية الإيرانية. لكن من الجدير بالذكر أنه حتى بعض رجال الدين المقربين من المحافظين ينجذبون إلى الأفكار الغربية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك تجربة جامعة دينية متشددة تديرها الدولة تسمى معهد الإمام الخميني للتربية والبحث، التي أسسها الراحل محمد تقي مصباح يزدي، وهو منظّر بارز أيد آية الله خامنئي. على مدى العقود الثلاثة الماضية، أرسل هذا المعهد باحثين مختارين بعناية إلى الغرب لدراسة العلوم الإنسانية لكي ما يصبحوا أساتذة ثوريين، لكن العديد من الطلاب تأثروا بالأفكار الغربية وبعضهم لم يعودوا إلى البلاد.
المصير المجهول لرجال الدين الثوريين
على الرغم من وصول الجمهورية الإسلامية إلى السلطة من خلال حشد رجال الدين خلف آية الله الخميني، إلا أن فشل النظام الإيراني خلق أزمة جوهرية لمشروع رجال الدين الثوريين.
هذا على الرغم من حقيقة أن رجال الدين الثوريين لا يزالون أحد الأعمدة الرئيسية للجمهورية الإسلامية. وفقًا للدستور والقوانين الأخرى، يجب أن تكون العشرات من المناصب الحكومية الرئيسية والمئات من المناصب العامة الأخرى في أيدي رجال الدين الثوريين (انظر الجزء الثاني من هذه السلسلة).
لا نعرف إلى متى ستستمر الجمهورية الإسلامية في إيران، لا سيما بالنظر إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية المتزايدة في السنوات الأخيرة. ولكن، حتى لو استطاع النظام البقاء لفترة طويلة بعد آية الله خامنئي، فإن الخلاف الداخلي وقاعدة السلطة الضعيفة بين رجال الدين سيجعل هيكله أكثر عرضة للانهيار.
يشكل هذا الاحتمال تهديدًا وجوديًا للنظام الإيراني، خاصة وأن أيًا من خلفاء المرشد الأعلى المحتملين لا يتمتع بدرجة كبيرة من التأثير على السلطات. بعبارة أخرى، من المرجح أن يكون للزعيم المقبل - أياً كان - موقعًا محفوفًا أكثر بالمخاطر من آية الله خامنئي.
ماري عبدي باحثة سياسية إيرانية تركز على الاستراتيجيات المحلية والإقليمية للجمهورية الإسلامية. الآراء الواردة في هذه المساهمة تعكس وجهة نظر الكاتبة.
The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.