بعد شهرين في السلطة، أعطت الحكومة المغربية الجديدة إشارات إلى أنها تريد إعطاء الأولوية للتنمية الاجتماعية والتعافي من الآثار المطولة لكوفيد 19 على البلاد. ومع ذلك، فإن استقرار الاقتصاد الكلي، والموارد المالية المحدودة، وزيادة الإنفاق الدفاعي تحد من مدى قدرة الدولة على متابعة وتمويل خطط التنمية الاجتماعية التي تشتد الحاجة إليها.
حتى في الوقت الذي تفرض فيه الحكومة عمليات إغلاق وقيود سفر جديدة لمنع انتشار متغير أوميكرون، فإنها تكافح لموازنة ذلك مع التركيز على الانتعاش الاقتصادي. تم رسم مسار هذا الانتعاش في الإطار الأوسع الذي تم تحديده بالفعل في النموذج التنموي الجديد للمغرب. تم الكشف عن إطار النموذج التنموي في مايو 2021 بعد حوالي عام ونصف من التشاور والدراسة. كانت إنطلاقة العمل على إعداد النموذج عام 2019، عندما احتفل الملك بالذكرى العشرين لتوليه العرش، حيث أقر بالحاجة إلى إدارة أسلم للشؤون العامة، وتنمية بشرية أكبر، وتنمية اقتصادية أكثر شمولاً. تعكس هذه الدعوات مطالب المواطنين كما تم التعبير عنها في الاحتجاجات على مدار العقد الماضي، بما في ذلك في الريف في عام 2016 وفي الجرادة في عام 2019.
أرادت الحكومة أن يعكس قانون المالية لعام 2022 هذه الجهود لبناء شبكات أمان اجتماعي أقوى، وتحسين تقديم الخدمات، وتوفير الوظائف، ووضع التنمية الاجتماعية في طليعة السياسات الاقتصادية. تزيد الميزانية الإنفاق من 52 مليار دولار إلى 57 مليار دولار وتركز على التنمية الاجتماعية، بما في ذلك توفير الرعاية الصحية الشاملة، والمساعدة المالية للفئات الأشد فقراً، وإعطاء الأولوية للوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم في المناطق المهمشة. التفاصيل الكاملة لهذه الخطة ما تزال قليلة، ومع ذلك، فميزانيات البرنامج ليست أعلى بكثير مما كانت عليه في قوانين المالية السابقة. علاوة على ذلك، أوقفت الحكومة الخطط السابقة لخفض الدعم المخصص لصندوق المقاصة بالنظر إلى الهشاشة المتزايدة بسبب أزمة كوفيد، مما يحد من توفر الموارد الضرورية. وقالت الحكومة أيضًا إنها تريد خلق 250 ألف فرصة عمل في غضون عامين في القطاع الخاص. والواضح في قانون المالية هو ندرة التفاصيل المتعلقة بالحماية الاجتماعية، ومحدودية الموارد لتمويل تشغيل الشباب وخطط الاستثمار، وزيادة الإنفاق الدفاعي، ومدى اعتماد الدولة على الدين الخارجي.
تظل القضية الرئيسية هي كيف ستغطي الحكومة تكاليف هذه المشاريع الموعودة بعد النمو الاقتصادي المحدود في السنوات القليلة الماضية والنمو السلبي وزيادة الإنفاق والاقتراض الحكومي خلال فترة وباء كوفيد 19. انخفض معدل النمو الذي وعدت به الحكومة المغربية من 4٪ خلال عرضها للبرنامج الحكومي إلى 3.2٪ أثناء عرض قانون المالية، مما يعكس ربما توقعات اقتصادية أكثر دقة. كما رفعت الحكومة عجز الموازنة إلى 5.9٪.[1] بلغ متوسط العجز السنوي المسجل بين عامي 2012 و 2019 حوالي 4.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعني أن الحكومة تحتاج كل عام إلى 4.5٪ من مقدار ناتجها المحلي الإجمالي من التمويلات لتغطية نفقات ميزانيتها. وقد ساهم ذلك في زيادة نسبة ديون المغرب إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي وصلت بحلول عام 2020 إلى 94٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وخلال هذه المدة أيضًا، سجل المغرب معدلات منخفضة من النمو الاقتصادي، حتى مع زيادة الطلب على برامج الدعم الاجتماعي. بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي للمغرب بين عامي 2010 و2020 3.3٪ مع أدنى مستوياته عند 1.06٪ في 2016 وناقص 7.1٪ في 2020. حتى في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى زيادة الإنفاق بمبلغ إضافي قدره 4.3 مليار دولار، لم ترفع الحكومة الإيرادات لتعويض ذلك، وسيأتي التمويل من الديون الخارجية أساسا.
ستؤدي مشاريع الحماية الاجتماعية التي وعدت بها الحكومة إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي، في وقت لم يتعاف فيه الاقتصاد بعد من آثار الوباء، مما يزيد من إجهاد ميزانية الدولة التي تعاني من عجز هيكلي استمر على مدى السنوات العشرين الماضية. تفترض الميزانية أيضًا أن معدل التضخم سيكون في حدود 1.2٪، وهو رقم يبدو متفائلًا إلى حد ما بالنظر إلى أن معدلات التضخم تتزايد باطراد في الاقتصادات المتقدمة وهو ما قد يؤدي إلى ظاهرة "التضخم المستورد" حيث سيؤدي ارتفاع أسعار السلع المستوردة إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية في الأشهر المقبلة.
الدولة لديها طموحات كبيرة لتعزيز استثمارات القطاع الخاص مع التركيز على زيادة القدرة التصديرية، وبالتالي معالجة العجز التجاري في البلاد. في 4 فبراير 2021، أنشأت الحكومة صندوق محمد السادس للاستثمار لتعزيز الاستثمارات في القطاعات الرئيسية، بما في ذلك التصنيع والزراعة والعقارات والسياحة. تبلغ الميزانية المستهدفة للصندوق 15 مليار دولار، إلا أنه لا يزال من غير الواضح من أين سيأتي هذا التمويل. على الرغم من الإصلاحات لتحسين مناخ الأعمال في المغرب ومؤشرات مؤشر ممارسة أنشطة الأعمال حسب تقرير دوين بيزنس للسنوات الماضية، وعلى الرغم من الاستثمار الأجنبي المباشر المتزايد في قطاعات محددة مثل التصنيع، ما يزال اعتماد المملكة حتى الآن كبيرا على الاستثمار العام.
وعلى نفس المنوال، تعمل الدولة على إنشاء صناديق استثمار مخصصة للشباب. يمثل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عامًا 38٪ من السكان ومعدل البطالة في هذه الفئة يزيد عن 30٪. لهذا، اقترحت الميزانية الجديدة برنامجًا يسمى "فرصة" مخصصًا لتمويل مشاريع الشباب. سيخصص البرنامج 135 مليون دولار لـ 50000 مشروع، أي ما يعادل 2700 دولار فقط في المتوسط لكل مشروع، وهو مبلغ ضئيل ومنفصل عن واقع تمويل المقاولات أو الشركات الناشئة. هذا البرنامج هو مثال حول صعوبات الحصول على التمويل، سواء من الحكومة أو القطاع المصرفي، وهو أكبر عقبة تواجه المشاريع الخاصة في البلاد، ما يشكل تحديا كبيرا لنمو القطاع الخاص.
اعتمد المغرب في الماضي على التمويل الأجنبي لموازنة ميزانيته ودعم البرامج الجديدة. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت الدولة ستكون قادرة على القيام بذلك مرة أخرى. أشارت إدارة بايدن إلى أن الاستثمارات الموعودة كجزء من صناديق اتفاقات أبراهام معلقة الآن وربما لم تعد متوفرة، في حين انخفض الدعم المقدم من دول الخليج بسبب الخلافات الدبلوماسية السابقة وتغير أولويات الاستثمار بين حكومات الخليج. كانت الزيارة الخارجية الأولى لرئيس الوزراء الجديد إلى المملكة العربية السعودية لحضور قمة "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، لكن هناك القليل من الحديث عن المساعدة المباشرة من الرياض حتى الآن. إن نقص الموارد المالية سيجعل من الصعب تحقيق المشاريع الاجتماعية خلال العام المقبل، خاصة وأن الدولة تسعى إلى تحقيق التوازن بين مؤشرات الاقتصاد الكلي على المدى القصير.
علاوة على ذلك، فإن التوتر المتزايد مع الجزائر سيكون له أيضًا تداعيات اقتصادية - وأقلها تزايد الإنفاق الدفاعي. فبموجب قانون المالية الجديد، ارتفع الإنفاق الدفاعي بنسبة 6٪ مقارنة بالعام الماضي ليصل إلى 5.43 مليار دولار. من هذا المجموع، تم تخصيص 64.8 مليون دولار لخلق 10800 وظيفة جديدة إضافية في قطاع الدفاع، وهو ما يمثل أكثر من 40 ٪ من الوظائف الجديدة الموعودة في القانون المالي. من المرجح أن ترتفع تكاليف الطاقة أيضًا، حيث تضطر البلاد إلى البحث عن واردات غاز منذ انتهاء اتفاقية خط أنابيب الغاز بين أوروبا والمغرب العربي، والتي بموجبها أوقفت الجزائر تزويد إسبانيا بالغاز عبر المغرب، في نهاية نوفمبر 2021، ما أوقف ما كان يستفيده المغرب من هذا الأنبوب.
يعكس قانون المالية الأول للحكومة الجديدة الرغبة في إعطاء الأولوية للتنمية الاجتماعية، لكنه لا يوفر الموارد ولا البرامج اللازمة لمعالجة التأخر في التنمية الاجتماعية أو تأثير عامين صعبين في ظل الوباء. في حين أن آفاق خلق فرص العمل لا تزال متواضعة لعام 2022 وفقًا لخطة الحكومة، لا يزال الاستثمار تحت رحمة انتشار متحورات كوفيد 19 ونقص الموارد والحوكمة الضعيفة. في الوقت نفسه، لا تزال التوقعات بشأن النمو الاقتصادي في حدها الأدنى، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي معدل نمو يبلغ 3.2٪، بما يتماشى مع الاتجاهات التي سادت خلال العقد الماضي، بينما يستمر التهميش والحرمان من الحقوق والمطالب الاجتماعية متزايد
[1]- بلغ هذا العجز على التوالي 3.6٪ في عام 2019، و 7.4٪ في عام 2020، و 6.4٪ في عام 2021 وفقًا لأرقام المندوبية السامية للتخطيط المغربية.
The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.